السياسة

الأسلحة الأميركية والتوزيع العشوائي لـ”الموت”

منذ هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، سلّمت الولايات المتحدة الأميركية كميات هائلة لا حصر لها من الأسلحة النارية لشركائها في ميادين القتال المتعددة في العراق وأفغانستان.

في هاتين المنطقتين، توزَّع فيهما الموت بشكل عشوائي، من خلال المفخخات والأحزمة الناسفة، والاغتيالات.. فلا يزال الغموض يكتنف مصير كميات هائلة من الأسلحة سلمتها الولايات المتحدة لشركائها المحليين، بعشوائية أيضًا، خلال حربيها هناك.

ويشير تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إلى أن “بعض هذه الأسلحة أستخدم في جرائم، وسلّم إلى ميليشيات تتسم بالفساد والانشقاقات عن الولايات المتحدة”.

يقول التقرير أنه “في بداية هذا العام، نشر مستخدم على “فيسبوك” بإسم حسين المحياوي صورة لبندقية تبدو مهترئة بعض الشيء من طراز M4 يعرضها للبيع، وفي الحال تعرّف عليها الجنود المشاركون في الحرب الأخيرة بالعراق”. هذه البندقية صغيرة أمريكية الصنع مزودة بعدسة رؤية ثلاثية الأبعاد ومقبض أمامي، إذ كانت مطلبًا عسكريًا أثناء الاحتلال، وعليها ملصق رقمي عليه رمز إستجابة سريعة استخدمه الأمريكيون لمراقبة مخزون الأسلحة.

لكن اختفى شيء واحد، وهو مقبضُ مسدس يسلّم كخدمة ما بعد البيع، وهو نوع من الملحقات الذي يستخدمه المقاتلون الحاليون للتحكم في مسدساتهم، وهي مشابهة تمامًا لعشرات الآلاف من البنادق طرازM4، والتي سلّمها البنتاغون لقوات الأمن العراقية، والعديد من الميليشيات المسلّحة بعد الإطاحة بصدام، العام 2003، وهي الآن معروضة للبيع وقابلة للمزايدة.

وبحسب التقرير، فإنه “لم يمر سوى أربع سنوات على الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من العراق، وما يقارب العامين على عودة أعداد صغيرة للمساعدة في مواجهة داعش، حتى أصبحت المزايدة على بندقية M4 جزءًا من الروتين اليومي لتجارة الأسلحة بالعراق”.

ويضيف التقرير أن “بندقية المحياوي ماهي إلاّ دليل آخر يشير إلى الفشل الذريع والخطير في تجارة الأسلحة الأميركية، والمسؤولية العامة وانحراف عن الممارسات الأساسية العسكرية الحديثة ألا وهي تتبّع الأسلحة”.

ويتابع “منذ هجمات 11 سبتمبر، سلّمت الولايات المتحدة كميات هائلة لا حصر لها من الأسلحة النارية لشركائها في ميادين القتال المتعددة في العراق وأفغانستان.. واليوم ليس لدى البنتاغون سوى فكرة جزئية عن كمية الأسلحة المصدّرة، وأقل من ذلك بكثير عن مكان تواجد هذه الأسلحة، وفي الوقت نفسه تعتبر الكمية الكبيرة من الأسلحة ذات الأصل الأميركي، والتي تباع في السوق السوداء أحد أهم الأسباب لعدم قدرة العراق على التعافي من ويلات ما بعد الحرب في المستقبل القريب”.

وتمكّن فريق من الباحثين بقيادة إيان أوفرتون وهو صحفي سابق في “بي بي سي” من جمع وثائق لحوالي 14 عامًا من تعاملات البنتاغون تتعلق بالبنادق والمسدسات والبنادق الآلية وملحقاتها وذخائرها لكل من القوات الأميركية وشركائهم ووكلائهم، ثم قاموا بعد ذلك بفحص هذه البيانات بعناية ومقارنتها بالسجلات العامة”.

وسيكشف أوفرتون عن البيانات والتحليلات التي تمّ التوصل إليها، والتي تغطي 412 اتفاقية، والتي بنظره “تستحق وقفة تأمّلية خاصة مع إجتماع أعضاء المعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة هذا الأسبوع في جنيف”.

ودخلت هذه المعاهدة حيّز التنفيذ في العام 2014، والتي وقّعت عليها الولايات المتحدة الأميركية، بهدف تعزيز الشفافية والتصرّف بحذر في عمليات نقل الأسلحة التقليدية، للحدّ من تسربها إلى أيادٍ غير مسؤولة وغير مقصودة، وهو ما فشلت فيه الولايات المتحدة في حروبها الأخيرة.

ووجد أوفرتون أن البنتاغون “زوّد قوات الأمن المختلفة بأفغانستان والعراق بأكثر من 1.45 مليون قطعة سلاح تضمنّت 978000 بندقية حربية و266000 مسدس وحوالي 112000 بندقية آلية”.

وشكّلت هذه الصفقات مزيجًا من الأنواع المختلفة للأسلحة مثل: بنادق الكلاشينكوف من طراز M16 و M4 التي تصنّع حاليًا، وفقا لمعايير حلف الناتو في مصانع أميركية، هذا بالإضافة إلى المدافع الرشاشة من الطراز الروسي والغربي والبنادق القنّاصة وبنادق الخرطوش ومسدسات من أصول وأنواع متعددة، بالإضافة إلى كميات هائلة من مسدسات غلوك النصف آلية وهو نوع من الأسلحة التي كانت معروضة للبيع على الإنترنت في العراق.

ويضيف التقرير أنه “عندما وزّع الجيش الأميركي الأسلحة في أفغانستان والعراق اتخذت الأمور مسارًا مختلفًا، فتعقّب الأسلحة وتوثيق من تسلّم وإلى أين تذهب الأسلحة لم يكن من الأمور ذات الأولوية”.

ومن المستحيل الآن معرفة أين توجد هذه الأسلحة، حتّى تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي أو تعلن عن نفسها بالمشاركة في قتال أو جريمة، لتذكرنا بعشرات المليارات من الدولارات، التي ذهبَت لتغذية العنف والإرهاب في مناطق متفرقة من العالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى