مقالات

د غلاب الحطاب : السياسة الأمريكية وأثرهاعلى خارطه العالم

تأثرت مصر اقتصاديا خلال النصف الأول من العقد الحالي بحدثين كبيرين ولحسن الحظ أنهما عالميان ، الأول هو انتشار وباء الكوفيد ١٩ والثاني هو الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فأما الحدث الأول فقد قتل بحثا وتدرج الرأي بشأنه من اعتباره مؤامرة محكمة المعطيات والنتائج إلى كونه مرضا عاديا لم يكن يستحق كل هذه الضجة والاحتياطات التي انتظمت العالم كله، وأما الحدث الثاني فلم يحظ بعد بما يستحق من الدراسة والتحليل، فالحرب التي ما انفكت مستعرة بين قسيمتي الإتحاد السوفييتي والتي تعتبر الأكبر في أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية قد أثرت على مصر من عدة أوجه أهمها على الإطلاق التأثير على تعاقدات مصر مع الدولتين فيما يخص بيع القمح وبعض المنتجات الأخرى كزيت الطعام والتي تعتبر سلعا استراتيجية في المحيط الاجتماعي المصري، والحقيقة أن تلك النظرة لتأثير الحرب هي بكل تأكيد نظرة قاصرة، فتأثير هذه الحرب سوف يمتد ليطال اقتصادات العالم كله بما فيه المصري طوعا أو كرها، وعليه فإن تحليل معطيات تلك الحرب يقع في بؤرة اهتمام المدققين في الشأن المصري سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية السياسية وحتى من الناحية العسكرية.
لعل أي محلل للشأن الروسي اليوم وللوهلة الأولى يكتشف الطابع الدكتاتوري الذي يدير به بوتين بلاده حتى أن البعض يروق له تسميته بالقيصر وهو وصف الرجل الأوحد و عليه فإن تحليل المشهد السياسي في روسيا يمكن تلخيصه بنسبة خمسين بالمائة على الأقل في فهم من هو “بوتين ” ؟ ولإجابة هذا السؤال علينا أن نسلم بأن خمسين بالمائة من قدرتنا على قراءة شخصيته مفقود لأن خمسين بالمائة من عمر بوتين قضاها في العمل في واحد من أكبر الأجهزة سرية في العالم وهو جهاز الكي جي بي السوفييتي فلا يمكن لأى باحث أن يخمن، كيف كان ذلك الشاب الأشقر ذو الملامح البريئة في نصف عمره الأول لأن هذا يحتاج الى معلومات وتقارير مجهولة للجميع ، غير أنه مع بداية ظهور بوتين السياسي يمكن وضع علامات رئيسية أو نقاط مضيئة ثم نقوم بتوصيلها لنري الشكل المتكون من اتصال تلك النقاط، وأولى هذه النقاط هو سقوط الإتحاد السوفييتي الذي بدأ بوتين مشواره السياسي بعدة كنائب عمدة ثم تدرج في المناصب السياسية في عهد الرئيس بوريس يلتسين حتى احتل منصب المرشح الأول بعد استقالة يلتسين المفاجئة، وعليه فإن بوتين في الواقع هو اختيار يلتسين فإذا أردنا أن نعرف من هو بوتين فلابد بالضرورة أن نعرف من هو يلتسين وكيف كان يدير روسيا بعد تفكك الإتحاد السوفييتي ؟ ولا شك أن الإجابة على ذلك السؤال هي إجابة سهلة فيلتسين هو الممثل الأول في أكبر المسرحيات الغربية التي عرضت في مسارح موسكو العسكرية والبرلمانية والمالية والإقتصادية من تأليف المخابرات الأمريكية واخراجها وذلك باجماع كل أصدقاء يلتسين ونوابه ومساعديه بلا استثناء وأنه كان سكيرا عربيدا لا قدرة له على إدارة الشأن الروسي حتى أنه سكر في الطائرة عندما كان يزور أحدي الدول فلم يستطع النزول من الطائرة لترنحه حتى الغيت الزيارة وعاد الى روسيا بعدما اصطف مستقبلوه انتظارا لنزولة منها وفي عهد يلتسين كان يدير البنك المركزي الروسي ٣٠٠ خبير مالي أمريكي كانوا يذهبون في الصباح الى مبني البنك باعتبارهم موظفون رسميون وخرجت الأموال من روسيا في ذلك الوقت بالمليارات في “شكاير ” وبيع القطاع العام بأقل من عشرة بالمائة من سعره ولم يكن هذا حال روسيا وحدها وإنما كان حال كل دول الاتحاد السوفييتي وحال رؤسائها وعليه فإن ظلالا من الشك تحيط بعملية اختيار بوتين كرئيس لروسيا في ذلك الوقت، إذا ما تتبعنا السياسة الروسية في بدايات عهده فإنها انصبت على القضاء على الحركات الإسلامية في الجمهوريات الروسية وخاصة في الشيشان وهذا بكل تأكيد هدف أمريكي فلا يمكن نسبة هذا الهدف إلى سياسة روسية مستقلة ويعتبر تدخله في سوريا أيضا شبيها بما قام به في الشيشان لأن سوريا في الواقع ليست بأي حال من الأحوال نقطة ارتكاز لروسيا كما أن دخوله إليها تزامن مع سحب فرنسا لقرارها بإنزال قوات في سوريا إثر ضرب بشار الأسد إحدى القري بالسلاح الكيماوي وهو ما اعتبر تغييرا في السياسة الأمريكية والغربية من مساندة الحركات الإسلامية إلى ضربها فكان التدخل الفرنسي المزمع هو مساندتها وكان تمكين روسيا من القواعد العسكرية هو ضربها، وعليه فإنني أعتقد أن جلب الروس الى سوريا هو قرار غربي بالضرورة يشبه ما تقوم به بعض العائلات في الصعيد بعد ضلوعها في قتل غرمائها إلى أمر أحد الشباب بالإعتراف بالقتل ليحمي رؤساء القبائل من الاتهام والعقوبة أي أن روسيا ” شالت القضية ” بدلا من أمريكا التي تلوثت سمعتها في العراق اثر تدخلها المباشر ، كما أن كوميديا فاجنر التي لا تعدو كونها ظاهرة إعلامية تليفزيونية.
وسوف اتوقف هنا عن دراسة شخصية بوتين حتى أتيج لمحللين أخرين أن يؤيدونني أو يعارضوني فيما فهمته عنه.
نعود هنا للحرب الأوكرانية الروسية لنجد على الجانب الآخر للحرب الرئيس الأوكراني زيلينسكي الممثل الروسي ذو الملامح الطفولية التى لا تساعده في تقمص شخصية الزعيم ولكن الزي الزيتي بكل تأكيد قد أضاف اليه بعض الوقار، وهنا لا احتاج الى رسم شخصية زيلينسكي التي لا تحتاج إلا لمشاهدة بعض أفلامه حتى تفهم كيف أصبح رئيسا لواحدة من اكبر الدول الأوروبية.
باختصار أنا أبحث عن سؤال وأتمنى من متابعي مقالاتي أن يجيبوني عليه، ما هذه الحرب؟ ما أهدافها ؟ كيف بدأت وكيف ستنتهي ؟ وإن كان لي أن أشارك ببعض الإجابات فيمكنني القول أن ” مخ ” العالم ربما ينتقل من أمريكا إلى أوكرانيا، إن عملية نقل المخ تلك ليست بكل تأكيد متشابهة بعملية نقل المخ التي أجرتها الطبيبة عبلة كامل في فيلم ” اللي بالي بالك ” أو الليمبي كما يعرفه الناس، ولكنها ستكون أكبر عملية نقل مخ في التاريخ، إن تصريح دونالد ترامب بأن حمامات دم سوف تسيل في أمريكا إذا لم يتم انتخابه رئيسا خلفا لبايدن ليست بعيدة عن هذه العملية ولابد أن الأمر سيحتاج تعديل الحدود الدولية التي رسمتها أمريكا في اعقاب انتصارها في الحرب العالمية الثانية وكل إزاحة في الشمال لابد وأن يستتبعها ازاحات في الجنوب، وإن فكرة المؤامرة السياسية ستكون فكرة ضحلة امام تلك الإتفاقات الجنائية بالتعبير القانوني إن صح ذلك التعبير ولابد من البدء في أبحاث جادة لمعرفة تأثير هذا الحراك الجديد في أوروبا التي لا يفصلنا عنها سوى ستمائة ميل وتأثيره على أفريقيا والمنطقة العربية وللحديث بقية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى