تحية للشعب الصابر

كتب / حسين الفاضل

في حديث ملهم أشبه بخطبة الوداع، وقف معالي الوزير أمام حشد من الحاشية والمنتفعين ليعلن إنجازات وزارته العظيمة، مستعرضًا رؤيته الوطنية التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا وأصابها التجديد والتطوير… لكن بطريقة “مدروسة”!
أكد معاليه أن التغييرات في الوزارة يجب أن تكون مدروسة بعناية، تمامًا كما يدرس المقاول كيف يرفع الأسعار في منتصف المشروع، وكما يدرس التاجر كيف يزيد الأرباح دون أن ينقص الغش في البضاعة.
ومن باب العدل والمساواة، أعلن الوزير أن الوزارة لم تعد تتحمل “العجلات المتعبة”، وعليه فإن التغيير يجب أن يبدأ بالإطارات… لا، ليس إطارات العمل، بل إطارات السيارات الفارهة التي يليق بها المنصب.
وبما أن التطوير يبدأ من الداخل، كان لابد من النظر في كارثة وطنية بحجم “أثاث مكتبه القديم”، فالمواطن يمكنه التحمل، لكن الوزير لا يستطيع أن يجلس على كرسي خدم الدولة السابقين!
ولأن كل إنسان بحاجة إلى الشعور بالأمان، فقد رأى الوزير أن طاقم حمايته يستحق زيادة في الرواتب، لأنهم يعملون في ظروف خطيرة، مثل حراسة خزائن الدولة الفارغة بعد كل جلسة وزارية.
أعلن معاليه أن مساحة داره لم تعد تتناسب مع مكانته، فالبيوت الشعبية للشعب، أما الوزراء فلهم القصور، والمسألة ليست رفاهية، بل “ضرورة وطنية”!
و في خطوة تعكس حرصه على “التوازن الاجتماعي”، أكد معاليه أن الزوجة الأولى قد خدمت الوطن بما فيه الكفاية، والآن حان وقت الاستثمار في زوجة ثانية “كاستحقاق شرعي”، فمنصب الوزير لا يليق به إلا التعدد، مثلما يليق به تعدد المصادر المالية.
لم يخفِ الوزير ألمه العميق من مستوى التعليم المحلي، مؤكدا أن أبناءه يستحقون الأفضل، أي التعليم في أوروبا، بعيدًا عن مناهج “الصبر على المصائب” التي تُدرّس لأبناء الفقراء.
أوضح معاليه أن المهام الوزارية أصبحت متعبة لدرجة أنه لا يمكنه تحريك يده لكوب القهوة بنفسه، فكان الحل المنطقي هو استقدام خدم، لأن الوطنية الحقيقية تبدأ من راحة القائد.
وأعرب معاليه عن ملله من المؤتمرات والندوات، لكنه رغم ذلك، وجد أن “خمسة مليارات دينار ليومين فقط” ليست كافية لتغطية “وجبات الطعام والنثريات”، فكيف يُعقل أن يجلس الوزير على طاولة تقل ميزانيتها عن ميزانية مشاريع البنى التحتية المؤجلة منذ عقود؟
أما بخصوص المشاريع الوزارية، فقد أوضح معاليه أن العمولة “معروفة”، وهي ليست رشوة، بل “مستحقات استشارية”، فالمسؤول الناجح هو الذي يضمن حصته قبل أن يضمن نجاح المشروع.
ومع قرب انتهاء دورته الوزارية، عبّر الوزير عن خيبة أمله، قائلاً: “كل هذه الجهود، ولم نحصد سوى ثلاثمائة مليون دولار، بيوت في أوروبا، مصانع، وشركات؟! يبدو أن الفساد يحتاج إلى إعادة هيكلة ليصبح أكثر كفاءة في المستقبل.”
واختتم الوزير خطبته التاريخية بتقديم الشكر للشعب على “تضحياته” التي مهدت له الطريق نحو المجد والثروة، ثم ختمها بالهتاف الشهير: “عاش الوزير… وخل الشعب يأكل شعير!”

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى