معلومات عامه

حكايات ومأسي أسر التحق ابناؤها بتنظيمات متطرفة

ي العام الماضي تلقى “ح. ب” مكالمة مجهولة من ليبيا تخبره بوفاة ابنه الطالب “أ. ح” في الصحراء على الحدود الليبية السودانية، وهو في طريقه للالتحاق بتنظيم داعش بسرت.
الطالب الذي يدرس الطب في “جامعة أم درمان الإسلامية” بالسودان سافر مع عدد من أصدقائه بعد أن تم تجنيدهم عبر الإنترنت، وفي الطريق توفي متسمما بوجبة “تونا” مع صديق آخر، بينما وقع الآخرون في أسر إحدى العصابات التي طالبت عائلاتهم بتحويل مبلغ مالي كبير من أجل إطلاق سراحهم.

لكن الطالب “أ. ح” واحد من عدد غير محدد من الشباب تسربوا سرا عبر الصحراء للالتحاق بتنظيم داعش بليبيا أو سوريا، وما زالت أسرهم تجهل مصيرهم.

في العام الماضي، استطاع التنظيم تجنيد ما يقارب الـ20 طالبا في كلية الطب، أغلبهم من حملة الجوازات البريطانية، سافروا عبر تركيا سرا. بعضهم نشر التنظيم صورهم وآخرين ظهروا عبر الوسائط الاجتماعية يحثون أصدقاءهم على الالتحاق بداعش.

ومنذ أن نشط داعش بالقتال في ليبيا، بدأت معاناة بعض الأسر بعد أن تسرب عددا من الشباب عبر الصحراء للالتحاق به، وقد وقع بعضهم في شبكات عصابات تجارة البشر.
معاناة بدأت قبل “داعش”

لكن معاناة كثير من الأسر بدأت منذ أكثر من خمس سنوات، مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وجماعة أنصار الدين في مالي والشباب المجاهدين في الصومال وبوكو حرام في تشاد ونيجيريا.
بسرية وصمت، تسرب عدد من الشباب والتحقوا بهذه التنظيمات مخلفين الحزن والأسى لعائلاتهم.

قبل أربع سنوات استيقظت أسرة الطالب “م. ع” على غرفة خالية وتلفون محمول بدون بطاقة على الطاولة. وبعد أيام مريرة من القلق، تلقت اتصالا من شخص بلكنة عربية غريبة تخبرها بأن ابنها في مالي يقاتل مع المتطرفين.
ومنذ ذلك الحين، أصبح أمل تلك الأسر معلقا بمكالمات مجهولة تخبرهم عن مصير أبنائهم أحياء أو أمواتا.

أمهات تجمعهن المصيبة
بعد تزايد حملات التنظيمات المتطرفة وتكاثر عدد المنضمين إليها، جمعت المصيبة بين أمهات هؤلاء الشباب، ونظمن أنفسهن في جمعية تسعى لمعرفة مصير أبنائهن والعمل مع السلطات لإرجاع من لا يزال على قيد الحياة.
أسرة التوأم منار وأبرار عبد السلام العيدروس الطاهر، وآية الليثي الحاج يوسف، وثريا صلاح الدين حامد السيد، المفقودات منذ 29 آب 2015 جمعت بينها مصيبة فقد بناتها وهرعت جميعها إلى تركيا.. ولكن من غير جدوى.

انتشرت الجمعيات النسوية التي تضم أمهات مكلومات لم يفقدن الأمل في إرجاع أبنائهن من سوريا والعراق وليبيا. ونشأت علاقات قوية بين تلك الأسر وباتت تتبادل المعلومات وتجتمع أسبوعيا لبحث الحلول وتتشارك السلوى والأمل.

لكن الأخبار المتواترة بمصرع عدد من السودانيين في صفوف التنظيم تبعث على القلق في نفوس تلك الأمهات.

بيوت عزاء.. مصادر للأخبار عن الغائبين
في سرادق عزاء نزار شمس الدين، وهو أصغر سوداني لقي مصرعه في صفوف داعش، انتحبت والدة الطالب “ح. م” الذي رافق نزار إلى ليبيا منذ سنتين وانقطع أثره إلا من رسالة غامضة من حين لآخر.

توقفت حياة تلك الأسر في محطة فراق فلذات أكبادها مع أمل بعيد بخبر عنهم أو عودة مستحيلة.

والد الطالب “أ. ح” فتح قلبه عد عام من الصمت ورغم حزنه الدفين لكن وفاة ابنه في الصحراء قبل الالتحاق بداعش جعلته يقول منشرحا رغم حزنه: “الحمد لله لم يمت منتحرا في عملية أو يقتل مسلمين مثله”.

قبل سفر ابنه بفترة، لاحظ الوالد تغيرات على سلوكه، حيث قال: “كان كثير الصمت ومنعزلا ويراسل أشخاصا مجهولين عبر هاتفه المحمول”. لكن إمام المسجد الذي كان يرتاده لاحظ أنه قد اعتزل صلاة الجماعة ويصلي منفردا.

من جهته، عثر والد الطالب “خ. س” أخيرا على رسالة يتيمة تفيد بتواجد ابنه في تشاد حيث تنشط جماعة بوكو حرام وبعدها انقطع خبره. تعرف والده على بقية الأسر التي فقدت أبناءها في ظروف مشابهة، ثم انخرط في جمعيات لتبادل الأخبار والمقترحات، لكن من دون جدوى.

من حين لآخر يلتقي في منزل أحدهم ببقية الأسر لبحث الحلول وطمأنة الأمهات المكلومات.. ثم يهرع الجميع إلى مجالس العزاء عندما يقرأون في الصحف خبرا عن مصرع شاب أو شابة في سرت أو سوريا أو العراق أو الصومال، لعلهم يجدون خيطا يرشدهم عن الغائبين أحياء أو أمواتا.

بين الخوف من العار.. والتبرؤ منه
والد التؤام منار وابرار فقد الأمل، حيث قال لصحيفة محلية الأسبوع الماضي إنه فشل في إرجاع ابنتيه بعد أن رابط على الحدود التركية السورية.

أسر التوأم منار وأبرار عبدالسلام، وآية الليثى الحاج يوسف، وثريا صلاح الدين حامد السيد، كانت من القلائل التي واجهت أزمتها بشجاعة وقامت بنشر إعلان في الصحف ورصدت مبلغا ماليا لمن يرشد على معلومات عن الفتيات الغائبات منذ صيف 2015.

لكن غالبية الأسر استعصمت بالصمت ورفضت باستمرار التحدث عن معاناتها مع قنوات الإعلام المختلفة وكونت جمعيات أسرية تتقصى الأخبار وترابط على أبواب النافذين في الدولة أو تهرع من حين لآخر إلى تركيا.

الصحفية شمائل النور تقول إن “تلك الأسر تفضل الصمت لأنها لا تريد أن تتحول إلى مادة صحافية، أما أسر الفتيات فهي تشعر بالوصمة بعد أن راج في وسائل الإعلام بما يعرف بجهاد النكاح”.

من جهته، يعتقد الصحافي المتخصص في الجماعات الاسلامية طارق المغربي أن “تلك الأسر تميل إلى السترة في مجتمع محافظ باعتبار أن تلك المسألة مسبة ومجلبة للسخط، فتتجنب تعرضها للعزل الاجتماعي”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى