د . تورية فرح جلول : المشيمة من نفايات الولادة إلى علاجات منقذة للحياة

مع تطوّر الأبحاث العلمية الطبية المبنية على دراسة تشريحية وبيولوجية لعينات من المشيمة، ذلك العضو الذي صُنِّف لسنوات كـ”فضلات طبية” يتم التخلص منه بعد الولادة، تم التوصل إلى إمكانية استخدامه لعلاج الأمراض السرطانية الفتّاكة، لا سيّما منها سرطان الدم والتلاسيميا (فقر الدم المنجلي). وهو ما يُمهّد لإنشاء بنوك خلوية من المشيمة تُستخدم في العلاجات الخلوية مستقبلًا. فكيف ذلك؟

تُعتبر المشيمة عضوًا مرحليًا مهمًّا جدًا خلال فترة الحمل، باعتبارها وسيطًا للتبادلات الحيوية بين الأم والجنين. وتتميز بشكلها الأسطواني، وارتفاعها الذي يتراوح بين 2 و3 سم، ووزنها الذي يتراوح بين 400 و600 غرام، أي ما يعادل سُدس وزن الجنين. تتكون من وجهين: أحدهما من جهة الأم، والآخر من جهة الجنين. هذه الخصائص البنيوية تسمح لها بتأمين وظائف عديدة، مثل التغذية، التنفس، التخلص من الفضلات، وإنتاج هرمونات مهمة كـالإستروجين، البروجسترون، وHCG.

و لكن ما السرّ العلمي الذي كشفه العلماء؟

السر العلمي الذي ظلّ مبهمًا لسنوات، هو احتواء الطبقة الأمومية للمشيمة على خلايا جذعية تُدعى “الميزنشيمية” (MSCs). وتكمن أهمية هذه الخلايا في قدرتها على التحول إلى أنواع مختلفة من الخلايا، مثل:

العظمية
الغضروفية
الدهنية
العضلية
والعصبية جزئيًا

ما الذي يجعل هذه الخلايا مميزة علاجيًا؟

تنفرد هذه الخلايا الجذعية بانخفاض مناعتها، ما يجعلها أقل عرضة للرفض عند زراعتها في أجسام غير متطابقة وراثيًا، وهو ما يتيح استخدامها في العلاج بين غير الأقارب دون الحاجة إلى تطابق تام، خاصّةً في حالات الأمراض الخطيرة والمميتة، مثل:

سرطان الدم (اللوكيميا)

أمراض الدم الوراثية كفقر الدم المنجلي

الشلل الدماغي

داء السكري من النوع الأول

أمراض المناعة الذاتية

لا يتوقف الامر عند هذا الحد بل يتعدى ذلك إلى إمكانية هذه الخلايا في ترميم الأنسجة التالفة، مثل:

أنسجة القلب بعد الجلطات القلبية و إصلاح الغضاريف، خاصّةً لدى الرياضيين الذين يتعرضون لإصابات متكرّرة قد تصل حد حرمانهم من ممارسة الرياضة
كما و تدعم هذه الخلايا شفاء الحروق المزمنة و تساهم في تجديد الأعصاب المتضرّرةماذا عن الجزء المستأصل من الحبل السري؟

من أبرز خصائص الحبل السري احتواؤه على عدد معتبر من كريات الدم الحمراء، البيضاء، والصفائح الدموية، مما يجعله مختبرًا جاهزًا لتطوير الدراسات في مجالات: الأحماض النووية الأيض وحتى العلاجات الخلوية

لكن، كيف يمكن حفظ المشيمة بشكل فعّال؟

حسب دراسات أمريكية أُجريت على عدد معتبر من عينات المشيمة، توصّل الباحثون إلى تقنيات فعالة لحفظها، أهمها:

1. الحفظ في محاليل خاصة مثل RNA later وDNA gard خلال ساعتين بعد الولادة، مما يحافظ على جودة الـRNA والـDNA بشكل أفضل من التجميد السريع.

2. التجميد البطيء (Cryopreservation) للخلايا الجذعية المشيمية، وهو ما يسمح بالحفاظ على قدرتها على الانقسام والتمايز مستقبلًا، خصوصًا للعظام والأنسجة الميزنشيمية.

ما الأفق المستقبلي لاستخدام المشيمة طبيًا؟

هذه الاكتشافات العلمية من شأنها أن تكون حلًّا فعّالًا وعلاجًا مجديًا لعديد الأمراض المستعصية، و إدراجها في قائمة الأمراض المتغلب عليها مما يسهم في تحسين مؤشر متوسط الحياة و الصحة الجسدية
وقد تُحوّل المشيمة إلى مصدر طبي ثمين، بدلًا من اعتبارها نفايات بيولوجية. كما أن إنشاء بنوك خاصة بالمشيمة في مختلف دول العالم، سيجعل منها نموذجًا علميًا واستثماريًا بامتياز، وقد تُصبح حتى مصدر دخل للعائلات المنجبة، في ظل الطلب المتزايد على العلاجات الخلوية.

الإعلامية الدكتورة

تورية فرح جلول

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى