البنوك السعودية تدخل في موجة ديون لتمويل مشاريع محمد بن سلمان

تسارع البنوك السعودية إلى إصدار ديون محفوفة بالمخاطر، في ظل سعي المملكة لمواجهة متطلبات الإنفاق الهائلة لبناء مدينة مستقبلية جديدة واستضافة فعاليات رياضية عالمية.

باع مقرضون من بينهم مصرف الراجحي والبنك السعودي الفرنسي أكثر من 5.6 مليار دولار من السندات الثانوية (Additional Tier 1) هذا العام حتى الآن — وهو بالفعل رقم قياسي سنوي للبلاد — مع سعي المقرضين لتحرير رأس المال لتمويل ما يسمى بالمشاريع الضخمة. وبحسب بيانات جمعتها بلومبرغ، جعل هذا السعودية ثاني أكبر مصدر للسندات الثانوية بالعملات الرئيسية عالميًا في 2025.

تأتي هذه المبيعات فيما تواصل المملكة المضي قدمًا في تنفيذ رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030، التي تتضمن بناء مدينة “نيوم” التقنية ومنتجعات سياحية جديدة على البحر الأحمر. كما تحتاج المملكة لتوفير التمويل لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2034. وتُعد قروض البنوك السعودية حاسمة لهذه المشاريع، خاصة في ظل أسعار النفط المنخفضة وتباطؤ الاقتصاد. وإصدار سندات AT1 يتيح للبنوك تعزيز قدرتها على الإقراض.

قال نيك سمولوود، مدير محفظة الأسواق الناشئة لدى M&G Investments: “لم تعد هناك ودائع كافية في النظام لتغطية القروض، وتحتاج البنوك لإيجاد مصادر تمويل أخرى”. وأضاف: “من أجل زيادة السيولة، تحتاج إلى جلب أموال من الخارج”.

بيع ديون ثانوية للمستثمرين الدوليين كان جزءًا من الحل للبنوك السعودية، التي ارتفعت نسبة القروض إلى الودائع لديها إلى مستوى قياسي بلغ 107% في أبريل، بحسب مؤشر جمعه البنك المركزي السعودي. تسمح سندات AT1، التي تشكل وسادة رأسمالية في حال تعرض البنوك لمشكلات، للمقرضين بتقوية ميزانياتهم ومواصلة الإقراض من دون إثارة مخاوف الجهات التنظيمية.

يتزايد إصدار هذه السندات أيضًا مع تباطؤ مصادر التمويل التقليدية للبنوك السعودية، مثل الودائع المجانية من الفوائد والإيرادات النفطية، ما يحد من قدرتها على تقديم المزيد من القروض. وقد يضطر القطاع لتخصيص ما لا يقل عن 3 مليارات ريال (800 مليون دولار) لمواجهة انخفاض أسعار النفط بنسبة 20%، وهو ما يعادل انخفاضًا في الأرباح بنسبة 3%، وفقًا لمحلل بلومبرغ إنتليجنس إدموند كريستو.

تبحث البنوك عن طرق أخرى لتعزيز قدرتها على الإقراض، من بينها التخلص من القروض المتعثرة عبر صفقات التوريق، بحسب تقارير سابقة لبلومبرغ. وعقدت الهيئة التنظيمية مؤخرًا مشاورات بشأن وضع إطار عمل لتفعيل سوق التوريق، حيث تقوم البنوك بتجميع القروض في أدوات شبيهة بالسندات وبيعها للمستثمرين.

وجدت سندات AT1 السعودية استقبالًا حارًا لدى مديري الأصول. إذ جذبت صفقة بقيمة 650 مليون دولار من بنك البلاد طلبات تفوق 2.5 مليار دولار، بينما سجل طرح مماثل للبنك السعودي الفرنسي في أبريل طلبات تتجاوز 1.9 مليار دولار.

في وقت سابق من يوم الأربعاء، أعلن البنك الأهلي السعودي عن إتمام طرح صكوك AT1 بقيمة 1.73 مليار ريال.

أبدى المستثمرون الصينيون اهتمامًا خاصًا بهذه السندات. قالت فيكتوريا هارلينغ، الرئيسة المشاركة لديون الشركات في الأسواق الناشئة لدى Ninety One: “هناك طلب متزايد من المستثمرين الصينيين. ومع ربط السوق المحلية عمليًا بالدولار، فإن إصدار هذه السندات بالدولار يُعد آمنًا لهذه الشركات”. وأضافت: “تقلبات أسعار هذه السندات منخفضة جدًا، وهذا جزء من جاذبيتها”.

فروق عائدات ضيقة

بالنسبة للمستثمرين، لا تقدم سندات AT1 السعودية أعلى العوائد، لكنها تُعتبر رهانًا آمنًا. جميع الصفقات التي أُبرمت هذا العام — سواء بالدولار الأميركي أو بالريال السعودي — جاءت بعائدات تتراوح بين 6% و6.5%. وهو ما يعادل هامشًا إضافيًا بين 100 و150 نقطة أساس مقارنةً بسندات البنوك الممتازة، ما يعكس القوة المدركة للقطاع، وفقًا لتشو تشين تشانغ، محلل الأسواق الناشئة لدى Jupiter Asset Management.

قال تشانغ: “هي مستقرة، وهذا يساعد في ظل تقلبات الأسواق الناشئة التي أثارتها سياسات التجارة للرئيس الأميركي دونالد ترامب”. وأضاف أن هذه العوائد أقل من بعض صفقات AT1 الأخيرة بالدولار التي أصدرتها بنوك أوروبية مثل Danske Bank وBanco Bilbao Vizcaya Argentaria.

لكن من المؤكد أن موجة صفقات AT1 جزء من صورة أكبر من تزايد إصدار الديون في السعودية، مع معاناة البلاد من ضغوط مالية وصعوبات في جذب الاستثمارات الأجنبية لمشاريعها. فقد باعت الحكومة والشركات السعودية سندات بقيمة 94 مليار دولار في الأسواق

الدولية العام الماضي، وفقًا لبيانات بلومبرغ. وقد يكون الرقم أعلى هذا العام، مع وصول الإصدار حتى الآن إلى 54.3 مليار دولار في 2025.

قال سمولوود من M&G: “هناك المشاريع الضخمة، وهناك تطوير البنية التحتية المعتاد، وأيضًا فعاليات مثل دورة الألعاب الشتوية الآسيوية 2029

وكأس العالم 2034”. وأضاف: “السعودية حريصة على المشاركة في هذه الأحداث البارزة التي تتطلب استثمارات ضخمة”.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى