السياسة

في الجنوب المهمش ..قلاقل بسبب الغاز تمثل اختبارا للحكومة التونسية

في ولاية تطاوين بصحراء جنوب تونس يهدد حوالي 1000 محتج يعيشون في مخيم عشوائي بحصار الطرق التي تستخدمها الشركات الأجنبية في الوصول إلى حقول النفط والغاز القريبة من المنطقة.

وهدفهم هو تخصيص بعض عائدات الغاز لتطوير تطاوين التي ترتفع فيها معدلات الفقر والبطالة. وترتفع لافتات وسط حر الصحراء كتب عليها “أين البترول”.

وعطل الاحتجاج المستمر منذ أسابيع الإنتاج إذ أغلقت بعض الشركات الحقول كإجراء وقائي. وفي الأسبوع الماضي أمر الرئيس الباجي قائد السبسي الجيش للمرة الأولى بحماية مناجم الفوسفات وحقول الغاز الاستراتيجية التي تديرها شركات من بينها إيني الايطالية وأو.إم.في النمساوية.

وحذرت جماعات حقوقية من أن هذا قد يؤدي إلى العنف في الجنوب الذي يعد منطقة اضطرابات يشعر كثيرون فيها بأن الحكومة تخلت عنهم. ولم يصل الجيش بعد إلى المخيم غير أن اللافتات تعلن “الرخ لا (التنازل لا)”.

قال واحد من المعتصمين يدعى طارق حداد “سنواصل اعتصامنا السلمي للدفاع عن حقوقنا في التنمية والتشغيل وحقوقنا من ثرواتنا الطبيعية.. خطاب الرئيس لم يكن في المستوى. مستعدين للحوار ولكن بشرط إعطاء هذه المنطقة المهمشة حقوقها”.

وبعد ست سنوات من تفجر الثورة التي أنهت حكم زين العابدين بن علي تواجه تونس من جديد الواقع متمثلا في مدى بعد الانتفاضة عن تحقيق طموحات كثيرين في المناطق الجنوبية المهمشة التي انطلقت منها.

وحازت تونس على ثناء حكومات غربية كنموذج للانتقال الديمقراطي غير أنها لم تحقق من الانجازات الاقتصادية ما يضارع نجاحها السياسي الأمر الذي جعل كثيرين من الشباب بلا أمل يذكر.

وتمثل الاحتجاجات تحديا آخر لرئيس الوزراء يوسف الشاهد الذي تكافح حكومته لتنفيذ إصلاحات حساسة تتعلق بالدعم والإنفاق العام يطالب بها صندوق النقد الدولي ومؤسسات إقراض أخرى للمساعدة في تحقيق الاستقرار للنمو الاقتصادي.

وتونس منتج صغير للنفط والغاز مقارنة بجارتيها ليبيا والجزائر العضوين في منظمة أوبك وتعدان من الدول الرئيسية الموردة لأسواق الطاقة الأوروبية. غير أن اقتصادها بدأ ينتعش مما أصابه من جراء هجمات متشددين إسلاميين في 2015 على السياح.

وتقول إيني الايطالية إن الاحتجاجات لم تؤثر على إنتاجها. غير أن أو.إم.في النمساوية نقلت 700 من العاملين غير الضروريين والمتعاقدين من المنطقة كإجراء احترازي. وأوقفت شركة برينكو الإنتاج في حقلي تارقة وباقل في حين تسببت الاحتجاجات في إغلاق حقل تابع لشركة سيرينوس انرجي التي تتخذ من كندا مقرا لها.

وتقول الحكومة إن الاحتجاجات حول مناجم الفوسفات التي تعد أيضا من مصادر الدخل الرئيسية تسببت في خسائر تبلغ نحو ملياري دولار منذ عام 2011. غير أنها انتهت بعد مفاوضات الأمر الذي سمح بزيادة إنتاج الدولة إلى أعلى مستوياته منذ عام 2010.

وفي الكامور تراقب وحدة من قوات الحرس الوطني الاحتجاجات في المخيم الذي يقع على مسافة نحو خمسة كيلومترات من خط لأنابيب الغاز. ولم يظهر للجيش أثر غير أن متحدثا باسم الجيش قال يوم الخميس إن القوات المسلحة تنسق مع وزارة الداخلية لتنفيذ تعليمات الرئيس.

وقالت هالة الشيخ روحو وزيرة الطاقة “قطع الطرقات ووقف الإنتاج الطاقي هو جريمة يعاقب عليها القانون..لن يكون هناك تسامح مع من يخرب الاقتصاد”.

* زيادة التوترات

ينطوي إرسال الجيش إلى منطقة واجهت اضطرابات بسبب الوظائف ونقص الاستثمارات كل عام تقريبا منذ عام 2011 على مخاطر.

وحتى قبل ذلك كانت منطقة قفصة الجنوبية الغربية الواقعة في قلب إنتاج الفوسفات تغلي بالمشاعر المعادية للحكومة. وفي مدينة الرديف أقيم تمثال لتخليد ذكرى شاب قتل في أعمال شغب عام 2008 احتجاجا على حكم بن علي.

وفي كثير من البلدات الجنوبية والوسطى تعد الزراعة المصدر الرئيسي للدخل. وقرب الحدود الجزائرية والليبية تنتشر عمليات تهريب الوقود وتندر الفرص. ويبلغ معدل البطالة حوالي 15 في المئة على مستوى البلاد لكنه يكاد يبلغ مثلي هذا المعدل في المجتمعات الريفية.

وقال جمال ضيف الله وهو أحد المعتصمين “أنا حاصل على شهادة في الإعلامية وعاطل عن العمل منذ خمس سنوات..ليس من العادي أن لا نحصل على شيء من ثرواتنا في تطاوين”.

وأضاف الشاب وعمره 30 عاما “لا نريد كل شيء ونحن لسنا دعاة فتنة وتقسيم البلاد نحن نريد فقط نصيبنا من ثروة بلادنا”.

وعندما زار الشاهد تطاوين الشهر الماضي للتفاوض مع المحتجين استقبلوه بهتافات تطالبه بالرحيل.

ورفض المحتجون عروضا لتطوير البنية التحتية وحوالي 900 فرصة عمل بعضها في قطاع النفط أو البيئة أو جزء من برنامج “عقد الكرامة” الذي تطبقه الحكومة مع القطاع الخاص.

وبدلا من ذلك طالبوا بما لا يقل عن 1500 وظيفة في شركات النفط وإنفاق استثمارات محلية تقدر بما يقرب من 50 مليون دولار.

وأثار قرار السبسي إرسال الجيش ردودا متباينة.

قال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة المشاركة في ائتلاف مع حزب نداء تونس الحاكم الذي أسسه السبسي “هذا ليس جيش أجنبي قادم إلينا من الخارج بل هو جيش وطني حمى الثورة وسيحمي ثرواتنا الطبيعية”.

غير أن أحزاب المعارضة قالت إن إرسال الجيش خطوة فيها استفزاز ستزيد التوترات الاجتماعية مع الشبان الذين لا يطلبون سوى حياة أفضل. وقالت جماعات حقوقية إن احتمال نشوب أعمال عنف قائم.

وقال عدنان المنصر القيادي بحزب حراك الإدارة المعارض لرويترز “بدل أن يعطي حلولا للأزمة الاجتماعية وتفشي البطالة يبدو أنه اختار أن يعمق الأزمة والتوتر بإرسال الجيش لمواجهة احتجاجات سلمية وراقية”.

(الدولار يساوي 2.4136 دينار تونسي)

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى