مقالات

انبعاث الحرب العربية الباردة  بقلم – أحمد سلهوب

انقسامات وتصدعات سياسية خانقة تشهدها المنطقة العربية برمتها، مردُّها الرعونة وصلف الساسة وانعدام بصيرتهم لحلحة المشاكل القائمة بينهم، والأدهى أن مَنْ تولى دفة القيادة مجدداً، بعد فشل ثورات الربيع العربي التي تم اغتيالها بفعل مؤامرات حِيكت ضدها، يفشلون في استقراء الماضي ويتغاضون عن تسويات سياسية وتحقيق ديمقراطية حقيقية، ويتمادون في التنكيل بالخصوم، بذات المصطلحات التي تسمعها منذ عقود مضت مثل: المؤامرة، وتعريض الصالح العام للخطر، من دون تقديم روشتة علاج حقيقية تعمل على اجتثاث التخلف والجمود من العقول، فهو أولى بالإصلاح والتهذيب، وما الحرب الاجتماعية بين البيت الخليجي الواحد ببعيد.

احمد سلهوب
احمد سلهوب

الحرب العربية الباردة التي نراها الآن ليست وليدة اللحظة، بل تعود بداياتها إلى الجمهوريات الناشئة في عالمنا العربي وبعض الممالك في دول الخليج بعد أفول نجم الاحتلال في حقبتي الخمسينيات والستينيات.

ففي الإرهاصات الأولى لحركات التحرر العربي في تلك الحقبة علت أصوات القومية العربية، والتكامل العربي المشترك، والمغرب العربي الكبير، لكن تلك الأماني ذهبت أدراج الرياح، ودامت الخلافات وذبلت الحلول، بل وشاخت وأصبحت كهلاً، كما هو الحال بين المغرب والجزائر بسبب قضية الصحراء، والأحدث وقوعاً هو شرخ البيت الخليجي منتصف العام الماضي، فبعدما كان مجلس التعاون الخليجي يُضرب به المثل في الوحدة ـوإن كان ظاهرياً فقط- استفحلت الخلافات وطفت على السطح وحدث ما حدث.

ونجد في الضفاف الأخرى من الكرة الأرضية أن غالبية الدول تمضي قدماً في الاصطفاف وتسوية المشاكل العالقة بينهما، مثلما حدث مؤخراً بين إثيوبيا وإريتريا اللتين وقعتا اتفاقاً تاريخياً أنهى قطيعة دامت أكثر من عشرين عاماً بسبب النزاع على منطقة حدودية، وعلى نفس الخطى سارت الصومال المهمَّشة إعلامياً على المستوى العربي رغم المنجزات الاجتماعية والاقتصادية التي تتحقق فيها مؤخراً، ودائماً يأتي ذكرها على وقع تفجيرات في العاصمة مقديشو.

وعلى المستوى الاقتصادي نجد هشاشة التعاون بين الدول العربية رغم الثراء الفاحش الناجم عن النفط والموارد الطبيعية الأخرى، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي الفريد للمنطقة العربية برمتها، في المقابل نجد الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم تنضوي تحت تكتلات اقتصادية جديدة في موازاة المؤسسات الاقتصادية التقليدية الأخرى، وهذا يتضح جلياً في مجموعة البريكس المُشكَّلة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وعقد أول لقاء بين قادة تلك الدول المؤسسة عام 2008.

والمغزى هنا أن تلك الدول لديها ثقافات وعادات وتقاليد ومعتقدات مختلفة، ورغم ذلك لم يقف ذلك حجرة عثرة أمامهم لتأسيس كيان اقتصادي جديد، بينما بلادنا من المحيط إلى الخليج دحرتها الخلافات رُغم الهوية والتاريخ المشترك، ولم تجمعها حتى المصالح.

ودخلت وسائل إعلامية على خط الأزمة لتأجيج خلافات طمرها التاريخ، مثل أحقية آل خليفة في حكم قطر، فضلاً عن الخلاف الحدودي السعودي الإماراتي، وبغضّ النظر عمن يستحق حكم كذا ومن له الحق في كذا، لا بد من نزع الفتيل وتوطيد أواصر المحبة والتلاحم بين الأمة العربية.

ما ذكرته سابقاً ليس بموضوع جديد لكن الهدف الأسمى الآن هو الاتحاد لأن الواقع يفرض تحدياته، فغالبية دول العالم تعمل على تصفية المشكلات مع جيرانها، إلا أننا حتى داخلياً نجد في البلد الواحد نزعة إقصائية وانتقامية تخيِّم على القلوب والعقول، ولنا في دولة رواندا – شرقي القارة السمراء – نبراساً منيراً في التخلص من الإرث الدموي الناجم عن الحرب الأهلية الدامية التي أسفرت عن قتل الآلاف، وتحقيق التسامح والتصالح الحقيقيين لا من أجل الاستهلاك بين كافة الأطياف السياسية، وأضحت العاصمة كيجالي من أجمل مدن إفريقيا.

وختاماً مرَّت تركيا مؤخراً ولا تزال بأزمة اقتصادية حادة هبطت الليرة على إثرها مقابل الدولار، وكان أحد الأسباب فرض رسوم جمركية على الصادرات التركية لأمريكا، وقد شعرت المعارضة على اختلاف مشاربها باستهداف تركيا، فتوحَّدت وصمدت مع الرئيس أردوغان، وقال أحد المواطنين الأتراك نقلاً عن زميلة صحفية: “نحن ضد أردوغان لكن لن ندع ترامب ينال منه”.

لكننا في وطننا العربي نستقوي بالخارج ونتشدق بحدوث الأزمة لإزاحة طرف منافس عن هرم السطة بدلاً من الاتحاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى