هالة الدسوقي تكتب .. استحملي عشان العيال

هذه الجمله التي يتم ترديدها على لسان كل من يعلم أن هناك مشكلة ما بين الزوجة وزوجها وبينهما أطفال، فينصحون المرأة بأن تتحمل وتدرب نفسها على “الصعوبة” من أجل أطفالها.
بالطبع الأسرة لابد وأن تستمر تحت أي ظرف .. ولابد من التحمل من جانب المرأة.. وكذلك من جانب الرجل.
ولكننا في مجتمعاتنا الشرقية أمرنا في غاية العجب، نحن ندخر الضغوط ونجعلها من نصيب المرأة دون الرجل في الغالب.. ولا مانع من تحملها ثقل الجبال ..
وعلى الجانب الآخر نسمح للرجل بأن يتمتع بما لديه إعوجاج وسوء خلق وصفات ذميمة، فهو في النهاية رجل .. وكأن الرجال لن يحاسبوا مثل النساء.
نحن في مجتمعات شرقية ظالمة تسمح للرجل بعيوب الدنيا وفي المقابل على المرأة أن تكون خالية من العيوب .. ونُعدها مخلوقة من حجر ص.. لا تكل .. ولا تمل .. ولا تشتكي .. ولا تعترض .. فقط تصبر وتصبر .. لأنها إمرأة ولأنه رجل .. ما تلك النظريات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

ولأننا مجتمع شرقي .. فلدينا منذ نعومة أظافرنا عيب في التربية داخل الأسرة الواحدة وتفرقة فجة .. فالولد غالبا مميز ويتمتع بحقوق تفوق البنت ويتمتع بمساحة حرية أكبر.
ونتيجة تلك التربية تنشأ أسرة جديدة بأب من نوع خاص، ليس لديه مفهوم التعامل مع زوجة بما يرضي الله، ولكن يفترض أن تلك المخلوقة لابد وأن تتحلى بالعقل والرزانة وتحمل أخطاءه .. في بعض الأحيان عنوه .. بل ويردد بعض الرجال بمنتهي البجاحة “أنا كده وتستحمليني على كده”..
قد لا يصدق البعض بأن بعض الرجال يرون أن أخطاءهم حق أصيل لهم ولا يحق لأحد مناقشتهم في ذلك، بل على من حولهم تحمل هذا البغض، وأول هؤلاء ولعلها تكون الوحيدة “الزوجة”.
لكن يا سادة ..علينا الاعتراف بأن للصبر حدود، وتلك التي تتحمل وتعاني من عيوب زوجها سواء “سوء خلق .. إهانات .. شتائم ضرب .. خيانة” سوف تتحول لكائن كئيب يوزع الكآبة على من حوله وأول هؤلاء للأسف الشديد أطفالها.
ولاحظوا .. أن من تعاني مع زوجها يظهر ذلك على وجهها وفي طريقة لبسها ومعاملتها لمن حولها .. وخاصة الأولاد المساكين، الذين دون وعي منها، تنفجر في وجههم ويتحولون إلى وعاء تفرغ فيه غضبها المكبوت، وهم لا حيلة لهم ولا ذنب .. وتنقلب الآية من “الصبر من أجل العيال” إلى “تحطيم العيال”.

يا سادة .. المرأة مخلوق يتمتع بإحساس مرهف ونفسية رقيقة رقة الحرير يصيبها الجراح من أقل خدش وتُعلم على قلبها علامة يهتز لها كيانها كله، وخاصة إذا كانت الإساءة من جانب الزوج، الذي تكرس حياتها في خدمته ورعاية منزله وأولاده.
المرأة تعطي بلا حدود، وليس لديها أي مانع من أن تكون في أغلب الأوقات الشمعة التي تحترق من أجل الآخرين، ولا تجد في ذلك ضيم أو ظلم، ولا تنتظر مقابل.
ولكنها تتوقع دائما المعاملة الحسنة تنتظر .. الكلمة الطيبة .. الابتسامة الرقيقة .. نظرة الامتنان، أن يربت الزوج على كتفها ويجعلها تشعر أنه يشاركها كل تفاصيل حياتها .. يحادثها .. يصادقها .. يحاورها .. يناقشها .. يشاركها تربية الأولاد، وإن كان بعيدا عنها لفترات كبيرة بحكم العمل فهي تنتظر دائما أن يشاركها ولو بالسؤال.
وللأسف .. طبقا للواقع .. فهناك بعض الأزواج يلقون بمسئولة الحياة الزوجية كاملة على الزوجة، وهناك من يتخذ من السفر أسلوب حياة بينما يتركها “تُربي العيال”.
وهناك من يترك لها المسئولة ويشترط بأن تشاركه الإنفاق .. ولا مانع من أن يكيل لها الشتائم والضرب .. لكونه متضايق من شخص ما أو من العمل .. يفرغ غضبه فيها !!
ولا أبالغ إذا قلت أن هناك مرضى نفسيين ينفثون عقدهم النفسية داخل تلك المرأة التي ارتضه زوجا وداخل الأولاد أيضا، والعجيب كل العجب أن المجتمع – كما قلت – يرى أنه طالما رجل فليفعل ما يحلو له .. وعليها التحمل والصبر والتعقل “لحين ميسرة”
والسؤال متى ينصلح حال هؤلاء الأزواج .. وتسير سفينة الزواج بسلام .. ينصلح حالهم وقتما يحاسبهم المجتمع كما يحاسب المرأة .. ويقتسمون المسئوليات، ولا يعترف بأحقية الرجل في الاعوجاج ويكف عن تحميل المرأة بما لا تطيق ، فاختصار صورة الصبر في شخص واحد وترك الحبل للطرف الآخر على الغارب هو الظلم بعينه، وإن ظل المجتمع كذلك فهو مجتمع مريض ظالم يحتاج للعلاج أيضا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى