السياسة

رمضان في غزة: صوم وسط الجوع والدمار.. وإفطار على أصوات آلات القتل

شهر رمضان، الذي يحل على الفلسطينيين بصفة عامة وعلى سكان غزة بصفة خاصة وسط أجواء مختلفة، حيث يعيشون أسوأ أزمة إنسانية في العصر الحديث، ويعانون كل يوم أهوال القتل والدمار وألم فقدان الأهل والأحباب.

يستقبل أهل غزة شهر الصوم وهم جوعى، حيث تهدد المجاعة أكثر من ربع السكان، بينما يموت عشرات الأطفال نتيجة سوء التغذية.

وبينما استعد المسلمون في جميع أنحاء العالم لاستقبال الشهر الكريم بتخزين السلع والمنتجات الغذائية التي ستعمر بها موائدهم على الإفطار كل يوم، لازالت أنظار أهل غزة شاخصة نحو السماء تدعو الله أن يفك عنهم هذا الكرب، وتنتظر هبوط طرود المساعدات التي تسقطها الطائرات في أجوائهم، في وقت اشتد فيه الحصار عليهم وباتت جميع المنافذ والمعابر مغلقة في وجوههم.

وبينما ستترقب أسماع غيرهم صوت مدفع الإفطار مع انطلاق أذان المغرب، لا تكف أذان أهل غزة عن سماع دوي المدافع والبنادق والقصف منذ أكثر من 155 يومًا، لتدمر ما بقي من مباني، وتقتل من تبقى منهم، وسط صمت مريب من جانب المجتمع الدولي الذي فشل حتى في تحقيق هدنة لهم خلال شهر رمضان، ويرفض دعوات الملايين حول العالم لوقف حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضدهم.

لقد كان مشهد أول صلاة تراويح في غزة وفى القدس الشريف يُدمى القلب ويكشف مدى قبح الاحتلال، حيث المساجد التي باتت ركاما وأكوام دمار، والمدنيون بلا مأوى ولا طعام، وبلا كهرباء ولا ماء ولا اتصالات.

اختفت مظاهر الفرحة والاحتفال برمضان في بلد كان للشهر الفضيل فيها سمات تميزها عن بقية الشعوب كالحرص على تبادل الإفطار الأسري، وتفنن ربات البيوت في إعداد الأكلات والتباهي بأشهاها، خاصة المقلوبة، والمسخن، والمفتول، والقدرة الخليلة، والمسخن والمنسف التي تغزو موائد غزة والخليل والضفة الغريبة.

وتزداد ظروف أهالي غزة تعقيداً مع نزوح 1.7 مليون شخص يشكّلون 75% من مجمل السكّان، البالغ عددهم 2.3 مليون، ويعيشون جميعاً في ظروفٍ “مروّعة” بحسب الأمم المتحدة التي قالت إن الجوع وصل إلى مستويات كارثية خاصة في شمال غزة.

منع الصلاة

وفقًا لوكالة “رويترز” يستعد الفلسطينيون لشهر رمضان بمزاج كئيب في مواجهة التدابير الأمنية المشددة التي تتخذها الشرطة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وشبح الحرب والجوع في غزة الذي يلقي بظلاله على الشهر الفضيل، في الوقت الذي فشلت فيه محادثات وقف إطلاق النار.

ونشرت إسرائيل الآلاف من رجال الشرطة في الشوارع الضيقة بالبلدة القديمة بالقدس، حيث من المتوقع أن يصل المصلون الفلسطينيون إلى المسجد الأقصى، أحد أقدس المواقع في الإسلام، لأداء صلاة التراويح.

وتشمل المنطقة، أحد أكثر الأماكن قدسية بالنسبة لليهود الذين يعرفونها باسم جبل الهيكل، وهي النقطة التي يشعلون منها الأحداث منذ فترة طويلة، حيث كانت إحدى نقاط البداية للحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس في عام 2021.

بينما تسببت انتهاكات الإسرائيليين للحرم القدسي في إشعال الأحداث الحالية أيضًا والتي قالت حماس إنها أحد أسباب هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، لتبدأ الحرب التي دخلت شهرها السادس.

تسببت الحملة الإسرائيلية المتواصلة على غزة في إثارة قلق متزايد في جميع أنحاء العالم، حيث يهدد تزايد خطر المجاعة بزيادة عدد القتلى الذي تجاوز بالفعل 31 ألف شخص.

وبعد بعض الارتباك الشهر الماضي عندما قال وزير الأمن اليميني إيتمار بن غفير إنه يريد فرض قيود على المصلين في الأقصى، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن الأعداد التي سيسمح لها بالصلاة ستكون مماثلة للعام الماضي.

لا زينة ولا أضواء

وبينما سيبدأ شهر رمضان غدًا الاثنين لم يتم وضع الزينة والاضواء المعتادة حول البلدة القديمة كما يحدث كل عام، وسادت نبرة كئيبة مماثلة في بلدات في أنحاء الضفة الغربية المحتلة، حيث قتل نحو 400 فلسطيني في اشتباكات مع قوات الأمن أو المستوطنين الإسرائيليين منذ بداية الحرب.

وقال عمار سدر، أحد وجهاء البلدة القديمة، “لقد قررنا هذا العام عدم تزيين البلدة القديمة بالقدس احترامًا لدماء أطفالنا وشيوخنا وشهدائنا”.

من جانبها قالت الشرطة الإسرائيلية إنها تعمل على ضمان أن يكون شهر رمضان هادئا، مشيرة إلى أنها “ستواصل العمل والسماح بإقامة الصلاة بأمان في الحرم القدسي خلال شهر رمضان، مع الحفاظ على الأمن والسلامة في المنطقة”.

بالنسبة لبقية العالم الإسلامي، كانت مراقبة إسرائيل للأقصى والتضييق على المصلين فيه، من بين أكثر القضايا إثارة للاستياء منذ فترة طويلة. وفي الشهر الماضي، دعا زعيم حماس إسماعيل هنية الفلسطينيين إلى السير إلى المسجد في بداية شهر رمضان.

وفي العام الماضي، أثارت الاشتباكات التي اندلعت عندما دخلت الشرطة مجمع المسجد، إدانات من جامعة الدول العربية وكذلك المملكة العربية السعودية، التي كانت إسرائيل تسعى إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية معها، في إطار توسيع مساعيها لبناء علاقات مع القوى الإقليمية بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة.

ويبدو أن الآمال في وقف إطلاق النار، الذي كان من شأنه أن يسمح لشهر رمضان بالمرور بسلام قد خابت مع تعثر المحادثات في القاهرة على ما يبدو.

وقال مسؤول من حماس لرويترز إن الحركة منفتحة على مزيد من المفاوضات لكن على حد علمه لم يتم تحديد مواعيد لعقد مزيد من الاجتماعات مع الوسطاء في القاهرة.

صيام الجوع

ووسط أنقاض غزة نفسها، وحيث يتجمع نصف السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة في مدينة رفح الجنوبية، ويعيش العديد منهم تحت خيام بلاستيكية ويواجهون نقصاً حاداً في الغذاء، كان المزاج العام قاتماً.

وقالت مها، وهي أم لخمسة أطفال، والتي كانت في السنوات الماضية تملأ منزلها بالزينة وتملأ ثلاجتها استعدادًا لرمضان: “لم نقم بأي استعدادات لاستقبال شهر رمضان لأننا صائمون منذ خمسة أشهر”.

وأضافت: “لا يوجد طعام، ليس لدينا سوى بعض المعلبات والأرز، وأغلب المواد الغذائية تباع بأسعار خيالية”.

لا وجود لأي مشاهد تحضيرية لرمضان في شمال غزة، تقول أم محمد لموقع “بي بي سي“، في ظل فراق العائلات وتشتتهم في عدة مناطق، وانعدام الغذاء والماء والدواء والعديد من مقوّمات العيش، على الرغم من محاولات بعض السكّان الحصول على المساعدات التي يتم إنزالها جواً.

لكنها تصف بأن هذه المساعدات تسقط في أماكن بعيدة في البحر، ولا تستطيع الحصول عليها، في حين يتهافت كل الأهالي لأي صندوق مساعدات يسقط بالقرب منهم، ما يجعل الحصول على المساعدات أمراً مستحيلاً، وفقا لكلامها.

بينما تقول منى -التي تعيش برفقة والدها ووالدتها وأخيها وزوجته وأطفالهم الثلاثة: “كيف نحكي عن تحضيرات رمضان وأهل الشمال ما عندهم طحين ولا عندهم أي معالم، ولا عندهم خضراوات ولا فواكه ولا شيء، وهو كل اشي مقطوع عندهم، همه اصلا صايمين قبل ما يجي رمضان”.

وفي مقارنة مع السنوات السابقة، تُلخص منى أن المختلف في هذا العام عن سابقه أنه “لم يبق أحد في بيته”، وتقول إن منازل العائلات في مناطق رفح والمناطق الوسطى أصبحت مكتظة، “فكل بيت فيه 40 إلى 50 فرداً، الأكل قليل جداً ولا يكفي، ويتم توزيع الطعام على الجميع حتى يأكلون، الواقع مرير قبل رمضان.. فكيف في رمضان؟”.

وقالت نهاد، التي نزحت مع عائلتها في غزة: “رمضان شهر مبارك، رغم أن هذا العام ليس مثل كل عام، ولكننا صامدون وصابرون، وسنستقبل شهر رمضان كعادتنا بالزينة والأغاني والدعاء والصيام”.

وأضافت: “في رمضان القادم، نتمنى أن تعود غزة، ونأمل أن يتغير كل الدمار والحصار في غزة، ويعود الجميع في حالة أفضل”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى