علوم و تكنولوجيا

التعلم المدمج ومستقبل التعليم بعد كورونا / بقلم / دكتور نبيل العشرى

التغيّرات المتوقّعة في الجانب التعليمي في عالم ما بعد كورونا ستكون كبرى وهيكلية في أنماط التعليم وأساليبه وتوجهاته وسياساته ونظمه ومكوناته سواء على صعيد التعليم العام أو التعليم الجامعي ، ولا شك أن عودة الطلاب لمقاعد الدراسة لن تتم كما كانت في السابق، ومن المتوقّع أن يكون لدى الدول ضوابط ومعايير صحية للطلاب وآلية اختلاطهم المستقبلي مع أقرانهم..
والمتتبع للأبحاث والدراسات والسيناريوهات المتوقّعة بعد كورونا على مستوى الدول يجد أن هناك أنماطاً جديدة في التعليم تعتمد على استخدام التقنية، وهذه الأنماط وتطبيقها مرهون بجاهزية وقدرة المؤسسات التعليمية والوزارات على التطبيق، وبخاصة البدء باعتماد نمط التعليم الجديد، سواء أكان تعليماً عن بعد أم تعليماً إلكترونياً، أم تعليماً مدمجاً، ووضع أساليب الاختبارات والتقويم، وكذلك تغيير السياسات والتشريعات داخل الوزارة أو المؤسسة لاعتماد هذا النمط من التعليم..
من بين نماذج التعلّم المطروحة بقوة يبرز التعلّم المدمج Blended Learning الذي يجمع بين التعليم المعزّز بالتقنيات والتعليم والتعليم المباشر (وجهًا لوجه)، وببساطة شديدة يمكن تعريف التعليم المدمج على أنه طريقة للتعليم تهدف إلى مساعدة المتعلم على تحقيق مخرجات التعلم المستهدفة، وذلك من خلال الدمج بين أشكال التعليم التقليدية وبين التعليم الإلكتروني بأنماطه داخل قاعات الدراسة وخارجها.
وتؤكد منظمة اليونسكو على أن التعلّم المدمج منهجاً قيماً للمساعدة في تعزيز التعلم ويحقق هدف التنمية المستدامة الرابع المعروف باسم التعليم Education 2030، وهو ضمان التعليم الجيد والمنصف وفرص التعلّم مدى الحياة في جميع أشكال التعليم الرسمي وغير الرسمي. كما يشير تقرير الرابطة الأوروبية للتعليم الجامعي عن بُعد (EADTU) إلى أن التعلّم المدمج هو النموذج المثالي لمواجهة ازدياد عدد الطلبة المنتسبين في مؤسسات التعليم ، كما يساهم في زيادة مستوى جودة العملية التعليمية.
ويتصف هذا النظام التعليمي بالجمع بين مميزات كل من التعليم الإلكتروني والتعليم التقليدي وجها لوجه بالمؤسسات التعليمية، فالتعليم المدمج يساعد وبصورة كبيرة على زيادة فاعلية التعليم، من خلال تحسين مخرجات التعليم ، كما يمكن للمتعلم توظيف أكثر من وسيلة للمعرفة فيختار الوسيلة المناسبة لقدراته ومهاراته؛ من بين العديد من الوسائل الإلكترونية والتقليدية، فيساعد الطلابُ على اكتساب أكثر للمعرفة ورفع جودة العملية التعليمية،ويعتمد نظام التعليم المدمج على التعليم من خلال النشاط، ويركز على دور المتعلم النشط وتفاعله في الحصول على تعلمه من خلال الدمج بين الأنشطة الفردية والتعاونية والمشاريع بدلاً من الدور السلبي للمتعلم المتمثل في استقبال المعلومات ، يساعد هذا النظام على تمكين المتعلمين من الحصول على متعة التعامل مع معلمهم وزملائهم وجهاً لوجه من خلال وسائل التفاعل الإلكترونية والتقليدية، مما يساعد على تدعيم العلاقات الإنسانية والاجتماعية والاتجاهات لدى المتعلمين أثناء التعليم ، من خلال نظام التعليم المدمج يتحقق المرونة الكافية لمقابلة الاحتياجات الفردية وأنماط التعلم لدى المتعلمين باختلاف مستوياتهم وأعمارهم وأوقاتهم ، يحقق هذا النظام إمكانية التدريب في بيئة الدراسة، ويقدم التدريب العملي والممارسة الفعلية للمهارات وتقديم التعزيز المناسب للأداء لتحقيق الأهداف التعليمية ، يحقق التعليم المدمج أكبر قدر من المصداقية على نظام التقييم التعليمى من خلال متابعة حية ومباشرة للمتعلمين أثناء التقييم ، تقليل نفقات التعلّم مقارنة بالتعلّم الالكتروني، وتوفير جهد ووقت المتعلّم والمعلّم مقارنة بالتعلّم التقليدي وحده.
ولا يخلو التعليم المدمج من مشكلات يجب النظر إليها بعين الاعتبار ومنها : عدم إلمام المعلمين والمتعلمين بالمهارات الضرورية للتعامل مع التقنيات الحديثة ، معيقات فنية تتعلق بالتعامل مع الأعطال أو توقف التقنيات المفاجئ عن العمل، مما يسبب إرباكاً للمتعلم والمعلم والإدارة وغيرهم وصعوبة التحول والتغيير من طريقة التعلم التقليدية التي تقوم على المحاضرة والتلقين بالنسبة للمدرس، واستذكار المعلومات بالنسبة للطالب، إلى طريقة تعلم حديثة، الحاجة إلى جهد وتكلفة مادية كبيرة في توفير العدد الكافي من أجهزة الحاسوب داخل المؤسسات التعليمية وتصميم وإنتاج برمجيات وتدريب وخدمات اتصالات وتأسيس بنى تحتية ملائمة.
والخلاصة العامة، إن التعليم سوف يتغيّر لكن هذا التغيير مرهون بوجود رؤية واضحة، وخطة استراتيجية، وإمكانات مادية وبشرية مدربة؛ فالتعليم المدمج لا يوفر الوقت والكلفة فحسب، بل يقدم طريقة أكثر سلاسة للتعلم والعمل، والمؤسسات التي في صدارة هذا الجيل الجديد من التعلم سيكون لديها فريق عمل أكثر إنتاجية وتطبيقا للتغيير ونجاحا في تحقيق الأهداف، وكما يقال فإن قدرة المؤسسة على التعلم وتحويل ذلك التعلم بسرعة إلى عمل هو خير مصدر لتحقيق الأفضلية التنافسية، والأهم من ذلك يجب على المؤسسات أن تسعى إلى إعداد كل فرد في المؤسسة ليصبح مشاركا فعالا في عملية التعلم والمشاركة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى