المنوعات

التعليم … لا كل تغيير تطوير ولا كل تطوير ناجح … !!

كتب: امير المنصورى

اصبح الأمر بحاجة إلى غربلة مثل تلك التطور العقيم والذي أضيف الي مناهجنا على وجه السرعة ،، ناهيك بأن العلم يتطور ساعة بعد ساعة ،، والأمم تقاس بحضاراتها ،، وإن لم تكن لها حضارة فإنها تقاس بما تقدمه للعالم أو على أقل تقدير بما تقدمه لشعوبها .. وصحيح أن دول الصرح التكنوحضاري قد سبقتنا بعصور لعوامل قد يكون القاريء الكريم على دراية أكثر مني بها ،، وأن عملية التعليم في سائر المجتمعات تعتمد على أسسها وقواعدها القديمة ،، ومن خلال تلك الأسس يتم تطوير تلك العملية وفقاً للمتطلبات الدولية والمتغيرات العلمية ،، شريطة المحافظة على عاداتنا وتقاليدنا في مجتمعاتنا العربية..

امير المنصورى
امير المنصورى

ومع شديد الأسف أخذ فيروس التخبط العلمي وسياسة الموت البطيء في مؤسساتنا التعليمية بالإستفحال ،، ولم تكتفي بل قامت بتصدير عدواها إلى ما تطول إليه مما تبقى من صروح علمية ،، من دون النظر إلى القدرات والعطاءات والإمكانات الموجودة لديها .. حتى أصبحنا في وضع لانحسد عليه ،، وكأننا ننتظر كارثة تفيقنا من غفلتنا هذه في ساعة لم يفد معها الندم ،، نتيجة لقرارات تجعل الولدان شيباً ..

أقولها في بوقٍ من ذهب ،، ترفرف منها أشرطة كأجنحة الطير !! إنها المناهج !! أجل !! المناهج التعليمية التي يفترض أن ينهض بها البلاد والعباد ،، ولكن ما عسانا أن نقول عنها ،، يا سادة .. هذه مناهج وليست برامج ،، يضع يده عليها كل غادٍ وآت لاعتقادات الحلول من دون حساب أو مسئول .

ليكون النصر بها حليفا لمناهج بهلول ..!! أعتقد أننا دفعنا ثمنها في جيل كامل !! يا سادة .. إن واقع مناهجنا لا تواكب طموحاتنا ولا طموح الأجيال القادمة ،، لأنها وضعت بعد جولة عصيبة من شد أطراف الدشاديش ورفع الأيدي والعقل في اللجان ،، لتصل أخيراً لحد الإمساك بالحجب والشعور ،، وتعالي الصيحات بين أخوات إنّ ويرجف الجميع في مشهد دراماتيكي فُقد فيها العقل لعدم تمالك الأعصاب ،، ليزداد عدد ضحايا أبنائنا في بوتقة التعليم لتلد منها مناهج بهلول .. وحينما فاض بهم الكيل حولوا القضية برمتها إلى شركات ومدارس خاصة لرسم مناهج جديدة بثمن يباع لنا بالحرف الواحد وبشروط جزائية مدتها سنوات !! إن منطق التغيير في المناهج يجب أن تمر بعمليات مفلترة تكمن في التطوير التدريجي والمعقـول .

ومن ثم الترميم بعد غربلتها من المناهج القديمة والتي تعتبر الأساس الرصين لها ،، بوجود لجان علمية والأخذ بآراء أهل الميدان وأولياء الأمور والأخصائيين الإجتماعيين والخبراء التكنولوجيون وحتى ممثلي الطلبة ،، مع عملية إعادة التقييم أولاً بأول طوال العام الدراسي لتفادي زوبعة المشكلات ،، وتأسيس التلميذ والطالب بقـوة وإحكام .. إن أخذ مقترحات الطلبة في المدارس بورقة مستقلة سنوياً نحصد من خلالها على أكثر من مئتي ألف مقترح طلابي تصنف وفٍق لجنة علمية بدءاً بالمدرسة الواحدة وإرسال أفضل المقترحات المدرسية إلى اللجنة الأم لعل أحدها تسهم في إثراء فكرة سليمة ومنطقية.

دون الإستهانة بالأمر ،، فتطوير العملية التعليمية لا تتم إلا من خلال المشاركة العامة من أبنائنا الطلبة بهدف إثرائها وتفعيلها .. وحتى نقوم بتأسيس مناهج حديثة إن صح التعبير علينا أن نستوعب المناهج الحالية والتعرف على مشكلاتها الواقعية .. فأم المشكلات التي لايزال شبحها يطاردنا هي قضية القراءة والكتابة ،، مع ملاحظة أن الكتابة أهم من القراءة لأنها تعبّر عن قوة التعليم .. يقول المثل الإنجليزي .. ( قوة التعليم باللغة تكمن في الكتابة وبعد عشرة مراحل تكمن في القراءة ) .. ومن هنا يجب التركيز بمقرر اللغة العربية تركيزا شديداً ،، وبالأخص بمقرر المطالعة والنصوص والنحو والأدب والصرف والبلاغة مع تعليم الطلبة أبجديات الحروف الهجائية ومخارج الحروف بشكل قويم.

أتذكر أننا كنا ندرس في المرحلة الإبتدائية كيفية قراءة وكتابة الحروف حتى منتصف العام تقريباً ثم نبدأ بمنهج اللغة العربية باعتبارها اللغة الأم .. حالياً .. لايأخذ التلميذ نصف علوم ومعارف اللغة العربية مقارنة مع زملائه في الأجيال السابقة لوجود اللغة الإنجليزية التي دخلت كمنافس في بلادنا وصحيح أننا تحمسنا للفكرة في البداية ،، ولكن حينما ثبت فشلها بشكل منقطع النظير” بدليل رسوب أكثر من 70 % من الطلبة. ولكن بالفعل تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن ،، فقد سمعنا بإدخال اللغة الصينية في بعض الدول العربية ويا خزياه إن تم تطبيقها على باقي دول المنطقة ليتشتت التلميذ بين ثلاث لغات في مرحلة التأسيس تكون بمثابة ضربة قاضية يقرع من خلالها جرس التربية ، على تلاميذ لم تتأسس نخاع عظامهم بعد .. وتأكيدا لما نقول .. يتجلى لنا الأمر أثناء مقابلة الطلبة لقبولهم في الأقسام العلمية في الكلية بحيث لايستطيع غالبية الطلبة كتابة كلمات مثل .. ( سأل – عزى – اللامّة – بارتياح – مسؤولية ).

ناهيك عن أخطائه بكتابة إسمه الكامل وما تليها من مصائب النحو ورداءة الخط أو حتى عملية القراءة الإعتيادية .. إن بناء ( جيل قادر ) يجب أن يكون من خلال قوته وعنفوانه في لغته الأساسية لتكون له الأحقية المطلقة بالإفتخار بهذا الأمر .. يقول المثل العربي .. ( ليست المشكلة أن يتخرج الطالب من المرحلة الثانوية وهو غير ملم بالمواد العلمية كالكيمياء والرياضيات ولكن من العار أن يتخرج الطالب من هذه المرحلة وهو ضعيفا بلغته الأم ) .. وفيما يخص المناهج السابقة فإن منهج الأحياء كان بمثابة المرجع الطبي المميز ،، والكيمياء كان مرجعاً صيدلانياً محكماً أما الفيزياء فكان مصدراً لأساسيات الكون والرياضيات فكان بمثابة الحاسوب المبتكر الذي قل حاملوه .. تلك المناهج التي لازلت أحتفظ بجزء منها ،، كلما احتجت إلى معلومة رجعت إليها لأنها لم تخذلني وأكون منتظراً لعودتها العقيمة . نعم .. قد تنجح تلك الأمور إعلامياً حيثما كانت التوعية الإعلامية منتشرة في كافة أرجاء المجتمع وطوال الموسم الدراسي ،، وإنني على يقين بأننا سنجني ثمارها ،، شريطة استمراريتها وفق برنامجها الإعلامي ،، لوجود تجارب مماثلة سابقة ،، باعتبارها الجزء التربو باعتبارها الجزء التربوي المكمل للجزء التعليمي لدى منظومتنا الغراء .. وفيما يخص مقرر اللغة الإنجليزية فأقول لرجال التربية بأن تقويمها في الإبتدائية أفضل من تدريسها في مرحلة رياض الأطفال ،، لأنها تتسبب باستمرارية المشاكل اللغوية لدى أطفالنا ..

ولنتساءل ما هي الفائدة المرجوة من تدريسها في الرياض ؟؟ فهل تم الرجوع إلى مستشاري التربية وأهل الميدان أم كالمعتاد كانت قرارات إرتجالية جوفاء !! ومن باب التاكيد.. اذا قمت بزيارة لبعض المدارس الثانوية لأخذ الآراء عن المناهج ،، فسوف تسمع من المدرسين : أنا معلم الأحياء لاعلم له بمقرر الجيولوجيا الذي يقوم بتدريسه ،، ويقول اخرز : نحن ندرس دون أن تكون لنا علاقة بالدرجات ،، و آخر وقد يعتصره الألم : ويقول ان المدرسين ضائعون من هذا النظام وكان الله في عون الطلبة ،، لأن قضية المعدل التراكمي تحتاج إلى إعادة تأهيل المدرسين قبل الطلبة ..

فارقص يابهلول .. واطرب يا أستاذ .. وتغنى يا مصر .. !! ومن هنـا .. ننشد أصحاب الضمائر وعمداء التربية بإعادة النظر بتلك المناهج ونظام التعليم .. وربما أحتاج لسنوات حتى أدرك مفهوم دمج الكيمياء بالفيزياء أو التاريخ بالجغرافيا ،، ليقوم بتدريسها معلم غير متخصص قهرا .. ونغدو بالفعل أمة قد ضحكت من أجلها الأمم .. !! فلنتعلم من اليابان التي تداركت خطئها الفادح حينما أسست مناهج حديثة بعد حربها مع الولايات المتحدة وبعدمـا اكتشفت أن مخرجات التعليم لديها ليست على مستوى الطموح لجيلين متتاليين ،، لتختصر الطريق مباشرة وتعود لمناهجها القديمة التي كانت هي الأساس وأخذت تقوم بتغييرات بسيطة لا تتجاوز 5% من تغيير المناهج كل بضع سنوات لتصبح في طليعة الدول على كافة المستويات وبتحدٍ صارخ لمن ينكر مستوى التعليم فيها .. وهاهي تونس رجعت لمناهجها القديمة وتم تعديل مسارها.

ناهيك عن سنغافورة وبريطانيا وألمانيا .. !! وهذا رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق الذي قبل منصبه شريطة أن تكون وزارتي التربية والعدل تحت إدارة مجهره التام ،، يتدخل بهما كيفما يشاء وقتما يشاء حيثما يشاء ،، فوافقوا على طلبه لتستقر البلد برمتها باستقرارهما ،، وبعد التركيز على المناهج الدراسية في كافة مراحلها أصبحت فرنسا واحدة من طليعة بلدان العالم علمياً .. !! علينا باستبدال مفهوم النظام المدرسي جذريا وفق منظومة أكاديمية يتقبلها الطالب والمعلم وولي الأمر وسائر المجتمع .. بحيث نؤسس بيئة علمية وفق مناهج هادفة ومدعمة بهوايات وأنشطة ثقافية وإذاعية وزراعية ورياضية ونظام مسرحـي متكامل وإعادة التفكير بنظام الفتوة للبنين والتمريض للفتيات ،، مع تخصيص يوم الجمعـة كيوم مفتوح لمرافق المدرسة وفصولها أو للرحلات العلمية ومناسباتها ،، فتكون المدرسة شعلة من النشاط وبيئة الطالب التي يتحمل من خلالها كامل المسئولية ..

يقول المثل : ( إقتبس من الماضي مشعلا يضيء لك باقي الطريق وإياك أن تكسر مقبض المقبس حتى لايحرق لك هذا الطريق ) .. فلا كل تغيير تطوير ولا كل تطوير ناجح على مفترق الدرب واعلم بأن الحلول الترقيعية والمؤقتة لا تغني ولاتسمن من جوع .. ويحدو بنا الأمل إذا ما تعاضدت عموم الأطراف وتظافرت جميع الجهود لإحداث نقلة نوعية في هذا المسار لإيصال محملنا إلى بر الأمان ومنا إلى عمداء التربية… !!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى