
هالة الدسوقي تكتب .. استحملي عشان العيال (2)
أشار علي بعض الزملاء الأفاضل و القراء الأعزاء باستكمال قضية المقال السابق “استحملي عشان العيال” من كافة جوانبها ولا يتوقف الأمر عند عرضها كظاهرة فقط، والبحث العميق عن حلول لهذه الظاهرة التي تهدد كيان الأسر في وقتنا الحالي.
وكنت قد عرضت في مقالي السابق “استحملي عشان العيال” قضية تعامل المجتمع الشرقي مع المشكلات الزوجية وحصر الصبر والتحمل وتدريب النفس على الصعوبة على الزوجة فقط – دون الزوج – والسماح للرجل العيش كما يشاء وفعل ما يريد دون الانتقاص من شخصه .. حتى وإن كان يعاني عيوب الدنيا.
وحاورني بعض الزملاء الأعزاء حول طرق العلاج وهل هناك سبيل للإصلاح، بالطبع هناك سبل للإصلاح فليس هناك مستحيل، و”العلم بالتعلم والحلم بالتحلم” ومن هذا المنطلق لابد من عمل الشخص نفسه على إصلاح ذاته.
وإصلاح الذات، من وجهة نظري، يبدأ بأن يعترف الشخص بمعاناته من العيوب، وهي أول خطوة في طريق القضاء على تلك الظاهرة، لأنه كما أشرت أن الشخصيات الظالمة تجد أن الظلم حق أصيل لها.
وبعد الاعتراف بوجود العيب يتم اتخاذ خطوات إصلاحه، فإصلاح النفس هي مهمة الشخص نفسه وإرادته في التحول إلى الأحسن والأفضل، وله الحرية في اختيار طريق الإصلاح عن طريق اتباع التعاليم الدينية التي تربي النفس على مراعاة الآخر وخاصة أقرب الناس، وكما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :”خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.
وتدريب النفس على اتباع ما أمر به الله ورسوله في معاملة النساء، كما جاء في كتاب الله العزيز (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19.
كما وصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء حيث قال:”رفقًا بالقوارير” و “ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم”، فالعودة إلى الدين تخلق الضمير ويتعود الشخص على محاسبة نفسه أولا بأول ومراعاة تعاملاته كلها في بدايتها علاقته بزوجته.
هذا بجانب اللجوء للمختصين في العلاقات الأسرية أو الأطباء النفسيين إن كان الشخص يعاني مرض نفسي، ويأتي هنا دور أسرة الزوج التي تساعده في الحفاظ على كيان أسرته باللجوء للمختصين، من باب “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه من الظلم، فإن ذلك نصره” .
ومع إصلاح النفس ينعكس ذلك على الممارسة العملية داخل إطار الأسرة، فتظهر السكينة والمودة والرحمة، وتضع الحرب اليومية أوزارها بين الزوجين، وهو ما ينعكس بالتالي على الأولاد، فيكون الناتج أشخاص أسوياء.
ولنا في الأجيال السابقة عبرة فكانت الأسر قديما تٌقام على مجهود الرجل ومساعدة وحكمة وتدبير المرأة ليقوما بري زهورهم البرئية ومراعاتهم ليشتد عودهم ويحققون فيهم كل أحلامهم.
بالطبع لم تكن الأسر قديما مثالية، فالصعوبات سنة الحياة وتواجه أي حياة أسرية ، ولكن كان الطرفان يتعاونان على تخطي تلك الصعوبات في إطار من الاحترام المتبادل.
ولم يكن هناك “فرضية المعركة” بين الزوج والزوجة ومن سوف ينتصر ومن سوف يخسر؟ فالأب قبطان “سفينة الزواج” والأم نائبته في كل صغيرة وكبيرة للوصول لبر الأمان والهدف واحد هو بناء تلك الكائنات البريئة والسهر على راحتها ومساندتهم لحين الوصول لما يتمنونه، واستقلال كلا منهم بنفسه وبناء أسر جديدة.
أما الحل الثاني فيقوم على اقتلاع المشكلة من جذورها وذلك من خلال التربية السليمة من جانب الأسرة لأبنائها لتخريج جيل سوي نفسيا خالي من العقد النفسية والتعصب والتفرقة، فيُربى الولد وهو يحفظ لأخته كرامتها ولا يعاملها من منطلق أنها “خادمة” وهو “السيد المدلل”، بل تُقسم المهام المنزلية بين البنات والصبيان دون تفرقة.
وتكون نظرة الاحترام والتعامل بحب هي الأساس في التعامل بين أفراد الأسرة وبالتالي بناء أسرة يهون معها كل عسير وتمر كل الصعاب، وهو ما يتم تعلمه بشكل عملي من خلال رؤية الأبوين متعاونين فالأم تقوم بواجباتها ولا مانع من مساعدة الأب لها حتى في أبسط الأعمال، ورؤية الولد مروءة والده وهو حريص على راحة زوجته بقدر المستطاع وحفظ كرامتها وتقديرها يزرع داخله المروءة نفسها وينمو الولد ليعلم معنى الرجولة الحقيقية، التي تعني الرفق والاحتواء.
ولمؤسسات المجتمع المختلفة دورا لا يمكن تجاهله من مؤسسات دينية ووسائل إعلام ومؤسسات حقوقية وتشريعية، ولعل الدور الأقوى والأكثر فاعلية للمؤسسات الدينية ، فالدين يخاطب الفطرة السليمة ويعالج الاعوجاج، ومن أكثر علماً بالنفس البشرية إلا خالقها سبحانه وتعالي : ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الروم: 21
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ النساء 19 ، وهو أمر صريح بـحسن المعاشرة والتحمل والصبر، والتذكير بأن الكراهية الجزئية لبعض الطباع لا تعني غياب الخير الكلي في العلاقة.
وأذكر لكم مثالا واقعيا على دور وتأثير الجانب الديني، حدث في حينا، فقد جذب خطيب مميز في كل من يسكن الحي، حيث أنصت لخطبته من كان بالمسجد ومن خارجه، فاستمعت النساء للخطبة وهن بمنازلهم، فقد وضع الخطيب يده على جرح تعانيه الكثير من النساء، وقدم العلاج بشكل مميز ونصح الرجال ووصاهم بالنساء خيرا وحثهم على اتباع ما أمر به الله ورسوله.
أما الدراما فذات تأثير باقي .. وكما تعلمون فكثير من المسلسلات والأفلام محفورة في ذاكرة الأغلبية منا وما بها من أحداث وتعامل أبطالها وبالتالي هي تربة خصبة لعرض نماذج أسرية تتعامل في أطر سليمة، ويأتي بعدها التطبيق من جانب الأفراد، وهي نتائج مؤكدة من خلال التقليد الذي يتبعوه في الأغلب بشكل تلقائي.