
(العرب بين اختبار الوعي وتبدّل الموازين الدولية) .. رئيس التحرير
في زمنٍ تتقاطع فيه العواصف السياسية والاقتصادية والإعلامية، يبدو أن العالم العربي يعيش مرحلة إعادة تشكّل كبرى، لا تختلف في عمقها عن التحولات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
فالمشهد الدولي لم يعد يقبل الحياد، ولا يُكافئ المراقب الصامت؛ من لا يملك موقفًا، سيتحوّل إلى ورقة في يد الآخرين.
اليوم، تتقدم مصر بخطوات محسوبة وسط هذه الدوامة، محاولة أن توازن بين الانفتاح الاقتصادي والضغط الاجتماعي، وبين الالتزام الدولي والهوية الوطنية.
وفي الوقت نفسه، تتحرك دول الخليج لتثبيت مكانتها في معادلة الطاقة الجديدة، بينما تنشغل دول المغرب العربي بإعادة تعريف أدوارها في ظل ما يشهده الإقليم من توتر سياسي ومناخي متصاعد.
أما الاحتلال الإسرائيلي، فيواصل نهجه الاستعلائي ضد الإنسانية، كاشفًا عن وجهه الحقيقي أمام العالم — من غزة إلى البحر المتوسط.
وكلما حاولت آلة الدعاية أن تُجمّل صورة تل أبيب، جاءت الوقائع لتفضحها: من سجونها إلى شوارعها، من غطرستها إلى خوفها من الكلمة الحرة.
لقد بات من الواضح أن إسرائيل لم تعد “قضية الشرق الأوسط”، بل أزمة ضمير عالمية، وأن من يدافع عنها اليوم يخسر احترام الأجيال القادمة غدًا.
في المقابل، يشهد الغرب نفسه انقسامًا داخليًا غير مسبوق، بين شعوبٍ بدأت تُدرك زيف رواية القوة، وحكوماتٍ ما زالت أسيرة صفقات السلاح والغاز.
ولعل حادثة الناشطة السويدية جريتا ثونبرج التي تحولت من رمز بيئي إلى رمز للإنسانية المُهانة في سجون الاحتلال، تختصر هذا التحوّل القيمي في وجدان الشعوب الأوروبية التي بدأت تقول: كفى.
إن ما بين أزمات الاقتصاد، وتغيّر موازين الطاقة، وتراجع الهيمنة الغربية، وصعود الأصوات الحرة من الجنوب، يبدو أن القرن العربي الجديد لم يبدأ بعد، لكنه يوشك أن يولد — بشرط أن تمتلك الأمة شجاعة الرؤية لا مجرد شجاعة الكلام.