مركز عدالة لحقوق الإنسان : حرمان جمعيات المجتمع المدني المغربي من وصل الإيداع القانوني يشكل خرقا واضحا وصريحا للنصوص القانونية الوطنية

يعبر مركز عدالة لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء استمرار حرمان عدد كبير من جمعيات المجتمع المدني المغربي، خاصة الحقوقية والتنموية، من الحصول على وصل الإيداع القانوني، وهو الوثيقة الرسمية التي تثبت تسجيل الجمعية وتمكنها من ممارسة أنشطتها ضمن الإطار القانوني المنظم.

إن هذا الحرمان، الذي يشمل الوصل المؤقت والنهائي، يشكل خرقًا واضحًا وصريحًا للنصوص القانونية الوطنية، ولا سيما *المادة 5 من الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في 15 نوفمبر 1958*، المعدل بمرسوم رقم 2.18.893 لسنة 2018، والتي تلزم السلطات المحلية بتسليم وصل الإيداع المؤقت فور تقديم التصريح، والنهائي في أجل أقصاه 60 يومًا، شريطة استيفاء الملف للشروط القانونية.

يرصد المركز ممارسات تعسفية من بعض السلطات المحلية، ولا سيما في ولايات الرباط وسلا، حيث يتم رفض تسليم وصل الإيداع أو تأخيره دون مبررات قانونية، مستندة أحيانًا إلى شروط أمنية غير منصوص عليها في القانون، مما يحول نظام التصريح القانوني إلى ترخيص مسبق عمليًا ويعرقل عمل الجمعيات ويجعلها في وضع قانوني هش.

وقد وثقت العديد من الجمعيات الحقوقية والتنموية هذا التضييق، من بينها:

– الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (AMDH) التي أكدت أن 78 فرعًا من أصل 88 فرعًا محرومة من وصل الإيداع، ما يعكس حالة واسعة من التضييق الإداري.

– العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تعاني من احتجاز وصل الإيداع المؤقت لأكثر من 300 يوم، ما دفعها لتوجيه شكاوى إلى هيئات حقوق الإنسان الدولية.

– منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، الهيئة المغربية لحقوق الإنسان، التحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات – فرع المغرب، الشبكة المغربية لحماية المال العام، ومنظمة العفو الدولية – فرع المغرب، التي شكلت مبادرة وطنية للدفاع عن الحق في التنظيم، مستنكرة استمرار حرمانها من وصل الإيداع.

– جمعيات التنمية الاجتماعية والثقافية التي تواجه تأخيرات أو رفضًا في تسليم وصل الإيداع، مما يعرقل جهودها المجتمعية، مثل الجمعية المغربية لحماية المال العام.

– بعض الأحزاب السياسية مثل حزب النهج الديمقراطي التي تعاني من تضييقات في تنظيم أنشطتها.

إن حرمان الجمعيات من وصل الإيداع ينعكس سلبًا على قدرتها في فتح حسابات بنكية، تلقي التمويلات، المشاركة في الفضاء المدني، وممارسة أنشطتها الرسمية، كما يعرّضها لمضايقات قانونية وإدارية متكررة، ويؤدي إلى إحباط العاملين والمتطوعين فيها.

رغم هذه المعوقات، يثمن مركز عدالة بعض المبادرات الحكومية التي تهدف إلى دعم المجتمع المدني، مثل برنامج تكوين المكونين في مجال حقوق الإنسان الذي أطلقته المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، وطلبات عروض مشاريع الجمعيات برسم سنة 2025، إضافة إلى إطلاق منصة رقمية لتسهيل تسجيل الجمعيات.

ومع ذلك، يؤكد المركز أن هذه المبادرات لا تزال غير كافية ما لم تُرفق بإرادة سياسية حقيقية تضمن احترام القانون، تنفيذ الأحكام القضائية، وحماية استقلالية المجتمع المدني من أي تدخل أو تضييق.

وعليه، يدعو مركز عدالة السلطات المغربية إلى:

– الالتزام الصارم بتطبيق المادة 5 من الظهير الشريف رقم 1.58.376، وتسليم وصل الإيداع المؤقت والنهائي في الآجال القانونية دون تأخير أو مبررات غير قانونية.

– ضمان تنفيذ الأحكام القضائية التي تلزم بتسليم وصل الإيداع، ومساءلة الجهات التي تمتنع عن التنفيذ.

– تعزيز بيئة قانونية وإدارية تحترم حرية تأسيس الجمعيات وحقها في العمل دون مضايقات.

– فتح حوار جدي وشفاف مع جمعيات المجتمع المدني لتجاوز العقبات وبناء شراكة فاعلة تخدم التنمية وحقوق الإنسان.

– توفير الدعم المالي والتقني المستدام للجمعيات، وتسهيل إجراءات تسجيلها وتسييرها.

إن حرمان الجمعيات من وصل الإيداع لا يمثل فقط انتهاكًا لحق دستوري وقانوني، بل يهدد أيضًا دور المجتمع المدني الحيوي في تعزيز الديمقراطية، حماية الحقوق، والمساهمة في التنمية الشاملة للمغرب. ومن هذا المنطلق، فإن مركز عدالة لحقوق الإنسان يعلن استعداده لمواصلة رصد هذه الانتهاكات، تقديم الدعم القانوني للجمعيات المتضررة، وتوثيق كل الممارسات التي تقيد حرية العمل المدني، مع اللجوء إلى الآليات الوطنية والدولية لحماية الحقوق والحريات.

حرية التنظيم حق أساسي لا يجوز المساس به، وتمكين المجتمع المدني من ممارسة دوره هو مقياس حقيقي لنضج الدولة واحترامها لحقوق الإنسان.

المكتب التنفيذي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى