ثقافه وفنون

من الحي الشعبي إلى “الترند”… كواليس صناعة أغاني المهرجانات و”التراب”..

يحظى نوع من الأغاني والموسيقى الجديدة يطلق عليه اسم “المهرجانات” انتشر في الآونة الأخيرة بشعبية طاغية في مصر، امتد أثره إلى جميع أرجاء الوطن العربي.ويُعتبر تطورا وامتدادا للأغاني الشعبية التي انتشرت منذ سبعينيات القرن الماضي وارتبطت في الأذهان بالطبقة العاملة في مصر، وخاصة سائقي الحافلات الصغيرة (الميكروباص) وسيارات الأجرة وحفلات الزفاف الصاخبة في الشوارع والأزقة.

أغاني المهرجانات للجميع

ولكن الجديد الذي استحدثه هذا النوع الجديد من الأغاني الشعبية المستوحى من الموسيقى الإلكترونية، يحظى بشعبية واسعة بين الناس من مختلف الفئات والطبقات والثقافات.لم تعد أغاني المهرجانات في مصر حكرا على طبقة معينة، بل لاقت انتشارا واسعا بين مختلف طبقات المجتمع، ويتردد صداها الآن في معظم حفلات زفاف الطبقة الوسطى، والنوادي الليلية الخاصة بصفوة المجتمع، وحتى في المناسبات القومية التي تقام في الأعياد الوطنية أو الانتخابات.

ترند وشهرة ومال

في أحد الشوارع الجانبية بحي الهرم الشهير، بمحافظة الجيزة بمصر، يقع الاستوديو الذي يملكه رامي رمضان الشهير بـ”رامو” وهو أحد الموزعين الموسيقيين الشباب، الذي يسعى من خلال مشروعه الفني والتجاري الصغير إلى اقتحام عالم الفن والتعاون مع أبرز نجوم المطربين العرب.وهو الطريق الذي يتطلب موهبة موسيقية وجهد وقدرة مادية كبيرة نوعًا ما على الشباب المصري، لذا كانت الطريقة الوحيدة هي البدء مع المطربين الشباب الأقل شهرة، وكذلك مع مغنيي ومؤديي المهرجانات الشعبية، التي أصبحت “ترندا” رائجا للغاية بين أوساط الشباب وكذلك حلما لكثيرين يسعون وراء المال والشهرة.

أي شخص يستطيع أن يغني

يقول رامي في بداية حديثه لـ”سبوتنيك“: دخلت مجال الموسيقى من فترة كبيرة، ولم أكن متعمقًا في الموسيقة بشكل كبير، ثم ارتدت كلية التربية الموسيقية عام 2007، فكان على أن اتعلم بشكل أكبر، كنت حينها ألعب على آلة الجيتار، وبدأت تعلم آلة البيانو لأنها أساس التوزيع الموسيقى الذي يتطلب تعلم المقامات الموسيقية.ويضيف: بدأت العمل مع المطربين أصدقائي الشباب، وكنت أقوم بذلك بشكل شبه مجاني أو بشكل مجاني، بحيث يكون لي سابقة أعمال أستطيع تقديمها لآخرين، ومع الوقت بدأت في تجهيز الاستوديو الخاص، بشراء جهاز كومبيوتر وبطاقة صوت احترافية، سماعات، وبذلك استطعت تكوين ستوديو صغير يمكنني من العمل كموزع موسيقى، ثم بدأت في تعلم الهندسة الصوتية عن طريق عدد من الكورسات.

سيدة الغناء العربي أم كلثوم - سبوتنيك عربي, 1920, 17.02.2020

وعن موسيقى المهرجانات والتراب، يقول رامي: في كل فترة تظهر شباب جديد تطرح موسيقى جديدة وأشكال مختلفة من الفن تعبر عن جيلها، وتعبر عن اختلاف الثقافة من فترة لفترة ومن جيل لجيل، وأنا اعتمد في عملائي على جيل الشباب الأقرب مني سنًا وهم ليسوا مطربين مشهورين، والحقيقة أنه حاليًا الجميع وكل من يريد أن يغني يتسطيع أن يغني، سواء كان صوته جميلًا أو غير ذلك.وواصل: “أنا أرفض العمل مع من لا يستطيع الغناء بشكل صحيح، فالأمر ليس مجرد جمع أموال أو تسجيل أغنيات لأي شخص وتصحيح صوته عن طريق الهندسة الصوتية كما يحدث مع كثير من مطربي المهرجانات، الذين يتم تصحيح صوتهم ليصبح أقرب إلى صوت الإنسان الآلي”.وعن رفض البعض لموسيقى المهرجانات، علق رامي: بالحديث عن الموسيقى الجديدة التي ظهرت في مصر، وتحديدًا المهرجانات الشعبية، فالأمر بسيط، بالعودة إلى الجيل السابق الذي نطلق عليه جيل الفنان عمرو دياب كانوا جميعًا يتعرضون للهجوم من الجيل الأكبر منهم سواء مطربين أو جمهور، واليوم ما يقدمه جيل عمرو دياب أصبح هو الشكل المثالي للموسيقى في الوطن العربي.

مشكلة الكلمات

وأضاف: “حاليًا، الجيل الحالي نشأ على سماع موسيقى المهرجانات، وأصبح لونا من ألوان الموسيقى المصرية، ولكن بعض مقدمي المهرجانات تطوروا بشكل كبير، ففي السابق كان مجرد أي نشاز وأي أصوات، وأنا ضد ذلك بشكل كامل، لكن الآن يبحثون عن صناع موسيقى محترفين يقدمون موسيقى جيدة وبشكل احترافي، ولولا مشكلة الكلمات لكانت تلك الموسيقى ممتازة”.وتابع: “مشكلتي مع مطربي المهرجانات، أولًا في اختيار كلمات غير لائقة وترويجها عن طريق موسيقى المهرجان، والأمر الثاني هو سرقة ألحان أغنيات شهيرة وكتابة كلمات مهرجان على نفس اللحن وتقديمه”.

أغنية بـ 500 جنيه

هكذا تحدث رامي ليضيف قائلا: تكلفة صناعة أغنية المهرجانات تبدأ بحوالي 500 جنيه، فبعض الموزيعن الموسيقيين يقومون بذلك بتكلفة شبه مجانية في سبيل أن يشتهر أسمه ويرتفع سعره ليصل لأرقام قد تتجاوز 20 ألف جنيه في توزيع أغنية مهرجان واحدة.

حلم غناء المهرجانات

حلم الغناء بدأ منذ أن كان سني 15 عام، كنت أسمع موسيقى المهرجانات، وبدأت أحفظها وأغنيها.هكذا تحدث زياد أشرف، مطرب شعبي، مضيفا: وجدت استحسانا شديدا من عدد كبير من أصدقائي، وبعد ذلك بدأت أفكر في الغناء بشكل جدي، وأحاول أن أطور نفسي، وأبحث عن طريق للوصول لكني أجهل تمامًا كيف أقوم بذلك.ويؤكد زياد: أريد أن أقدم غناء شعبي ومهرجانات، كي أعبر عن الناس وأصل اليهم وأحقق انتشار كبير، وبحثت كثيرًا عن ستوديوهات يمكنني أن أحقق من خلالها حلمي، لكن تكاليف القيام بذلك كانت شبه مستحيلة وخرافية، فوجدت أن تسجيل وتوزيع أغنية مهرجانات واحدة قد يصل إلى 20 ألف جنيه، وبالنسبة لشاب في عمري هذا رقم كبير.

جيل التسعينيات والثمانينيات

وحول رفض البعض للمهرجانات، علق زياد بقوله: جيلنا كله يعشق المهرجانات، لأننا نشأنا عليها، لكن جيل التسعينيات والثمانينيات أغلبه لا يحبها، لأنه لم ينشأ عليها.وأوضح زياد أن الشيء السيئ الوحيد الذي يمكن أن نؤكد رفضه هو تقديم كلمات بذيئة أو خارجة من خلال أغنية المهرجان، وهذا ما أرفضه تمام، فأنا أعلم أن هذه الأغنيات ستدخل لبيوت الكثيرين وسيسمعها الشباب، ولا أريد أن أقدم ذلك حتى لا يتعلم أي شاب كلمات بذيئة أو تصرفات سيئة من خلال ما أقدمه من أغاني مهرجانات.وتابع زياد: أنا أعلم جيدًا أنني يمكنني الغناء بما وصلت إليه من استيعاب، لكنني بحثت عن شاب يعمل في مجال التوزيع الموسيقي ليقدم لي النصحية ويعمل على تدريبي لأفهم وأتدرب على الغناء بشكل أفضل.

نجيب ساويرس - مهرجان الجونة - سبوتنيك عربي, 1920, 28.02.2020

نجيب ساويرس مدافعا عن أغاني المهرجانات: إحنا الجمهور أحرار نسمع اللى نحبه

هذه الأغاني تدمر الذوق والأخلاق

يشار إلى أن كلمات أغاني المهرجانات، والأسلوب المبهرج وأسماء المغنيين، قد أثارت انتقادات واسعة من كبار المطربين والملحنين في مصر، الذين يرون أن هذه الأغاني تدمر الذوق والأخلاق العامة وتضغط على الفنانين لتغيير كلمات أغانيهم لمواكبة هذه الموجة من أغاني مهرجانات.ورغم شعبية أغاني المهرجانات الطاغية على الإنترنت أو في الحفلات الغنائية بمصر، إلا أن نقابة المهن الموسيقية شنت حملة واسعة لحظر أغاني المهرجانات والحد من انتشارها.

تدخل نقابة الموسيقيين

تعد نقابة المهن الموسيقية الجهة الرسمية التي ينبغي أن يحصل منها الموسيقيون على تصاريح لمزاولة المهنة.في فبراير/شباط 2020، أصدرت نقابة المهن الموسيقية المصرية، قرارا بمنع مطربي المهرجانات من إحياء الحفلات في القاعات والمنشآت الخاصة. وطبقت شرطة السياحة المصرية قرار النقابة، وحذرت النقابة المخالفين من اتخاذ إجراءات قانونية ضدهم.وقالت النقابة حينها إن “هذه النوعية من الأغاني التي تعتمد على الإيحاءات والألفاظ الخارجة مرفوضة تماما. نحن نريد غناء محترما”.

حل الأزمة

في أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت النقابة أنها ستصدر تصريح أداء صوتي لمغنيي المهرجانات، ويجدد كل ثلاثة أشهر مع مراقبة الجميع، وإذا التزموا بتقديم فن يحترم البلد والأطفال والمجتمع سيتم دعمهم، وسيكون التصريح سنوياً وليس كل ثلاثة أشهر.وأكد نقابة المهن الموسيقية أنه سيتخذ إجراءات قانونية مشددة في حال عدم التزامهم بقراراتها.

شروط جديدة

واتخذت النقابة قرارا بتغيير اسم الشعبة من “مغني المهرجانات” إلى شعبة “أداء صوتي”، ليصبح هو الاسم المتعارف عليه بين جميع المطربين، وشددت على عدم نطق لفظ مهرجانات مرة أخرى.وحددت عدداً من الشروط التي يجب أن تتوافر في مطربي الشعبة الجديدة وأهمها أن تخضع كلمات الأغنيات الخاصة بهم للرقابة، وعدم تضمن أي لفظ خادش أو خارج أو حتى إيماء من أي نوع.كما يجب بحسب القرارات الالتزام بوجود فرقة موسيقية مصاحبة لأي فنان مكونة من 12 عضوا عاملا.وأخيرا التعهد في حال السفر للخارج للقيام بأعمال فنية بعدم مخالفة قوانين ولوائح النقابة والالتزام بتلك البنود، وإلا سيتعرض المخالف لغرامة مالية ومن ثم إيقاف عن العمل، وفي نهاية المطاف إلغاء التصاريح بشكل نهائي لا رجعة فيه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى