ثقافه وفنون

رحل رائد العمل الأثري في داخل مصر وخارجها وبقيت ذكره راسخةً خالدةً  – بقلم د. أيمن وزير

 

 في البدء وإذا ما حاولنا الحديث عن الأستاذ الدكتور عبد الحليم نور الدين – رحمة الله عليه- لا يسعنا إلا أن نقول إنه الإنسان العالم والعالم الإنسان ، والإنسانية والعلم نادراً ما تتحقق في أحد ولكنها تحققت فيه ، إنه الرائد في شتى مجالات العمل الأثري في مصر وخارجها على مستوى الوطن العربي وعلى المستوى العالمي أيضاً، إنه فخر العمل الأثري في مصر وخارجها.

د. أيمن وزيري
د. أيمن وزيري

إنه شيخ الأثريين وملاذهم ، إنه عميد عمداء الأثريين بلا منازع . كان دائماً ما يحاول ويجاهد للغوص في أعماق الناس محاولاً مواساتهم في شتى جوانبهم الإنسانية ، وكان دائماً سباقاً بتقريب المسافات والإصلاح بين الناس إلى حد كبير، وكان دؤوباً وحريصاً على الاستماع لمشاكل الجميع وحلها بقدر المستطاع وكان أخرها قبل موته بساعاتٍ قليلةٍ ، كان – رحمة الله عليه – يجاهد ويضغط على نفسه لإسعاد الآخرين فكان يُقسٍّم وقته وكان أكثر وقته للعمل الأثري ومناهضة مُستجدات الأمور في الميدان والمجال الأثري في مصر وخارجها، وكان بعض الوقت الآخر يمنحه لحل مشاكل الناس. وبالرغم من مشغولياته العديدة ومهامه واعباءه فكان دائماً يسمح لمن يسعى لمقابلته ليساعده ولو على فراش المرض ، وبالرغم من إنه كانت هناك ظروف خارجة عن الإرادة إلا أنه كانت متعته الشخصية في مواساة الناس ومساعدتهم .. إنه حقاً نادر الوجود في مثل هذا الزمان … إنه الإنسان العالم والعالم الإنسان .15151240_984622411665354_723153984_n

وكانت من أهم ملامح وسمات شخصيته أنه كان دائماً ما يقوم بجولات متواصلة في المواقع الأثرية والمتاحف للتعرف على مشاكل الآثار والعاملين ميدانياً. وكان يتعامل مع الكل بموضوعية وحسن الخلق ، وقد غدر به بعضٌ ممن أطعمهم في بيته ، وغالباً ما كان يقول إن الغدر شيمة ضعاف النفوس من البشر. وقد  كرَّم من يستحق، وواسى من أُصيب، وكان يدبر نفقات العلاج لمن كان بحاجة إلى ذلك.

اصطدم مع بعض المسئولين في الدولة من أجل آثار مصر، وكان قوله الدائم: (من حقك أن تتصرف فيما تملك، لكن ليس من حقك أن تتصرف فيما تملك الأمة). قد عيَّـن أكبر عدد من الأثريين والمرممين وبعض الشباب من تخصصات أخرى قدر ما استطاع أولاً لحاجة هيئة الآثار إليهم ، وثانياً إيماناً منه بأن البطالة باب يقضي على الإرهاب. 15134442_983643158429946_752324132_nكان يُعطي الصلاحيات لقيادات هيئة الآثار ، كان يحافظ على المال العام فلم ينفق في غير موضعه ولا حتى في وجبة طعام في فندق. وكان حريصاً على تحقيق أجواء الأمان والاستقرار حول الجميع، إلا الذين يصرون على الفساد.

وقد تلقى دعوات كثيرة بالخير، وأخرى بالشر. حاول جاهداً إرساء المبادئ والأخلاقيات والمُثل في كل خطوة من خطواته ، وكم أتت بثمار طيبة في الكثير من الحالات. حاول جاهداً لتحقيق روح الحب والتفاني في العمل كما كان دؤوباً لخلق جو من الحب والإخلاص في العمل بين العاملين. كان يقود تنفيذ العمل في بعض المواقع بنفسه ليدرك العاملون أن رئيس العمل معهم في كل شيء.

كان يأكل ويشرب مع العاملين في مواقع الإدارة وفى المواقع الأثرية. كانت خلاصة أسلوبه ومنهجه الإداري في كل مكان تحمل فيه المسئولية رئيساً كان أو مرؤوساً الجدية في العمل والإخلاص في حفظ التراث وبناءه وكان مؤمناً أن الإدارة تحكمها بعض الضوابط ومن أهمها؛ الفكر المنظم والعدالة والرحمة والعمل الجاد مع العلاقة الحميمة والاقتراب من العاملين بكل مستوياتهم في إطار تقاليد المهنة والاحترام المتبادل .

كما كان مؤمناً بحسن الخلق وعفة اللسان واليقظة التامة لما كان يجري في العمل . كان يتابع المتابعة المتواصلة الدقيقة وبشكل مفاجئ في بعض الأحيان. كان مؤمناً بالأخذ بمبدء راسخ لا يحتمل التهاون وهو أن آثار مصر فوق كل اعتبار حيث لا مجاملات على حساب الصالح العام . كان حريصاً كل الحرص على رفع معنويات العاملين بكل الوسائل المعنوية والمادية ، كان يحترام الرأي الآخر ويحترم ويؤمن بثقافة الاختلاف .

كان يمنح الصلاحيات في إطار القوانين واللوائح . كان مؤمناً بالعفو عند المقدرة . وقد حاول جاهداً لتحسين مستوى أماكن العمل والمرافق والخدمات حتى لا يكون هناك فارق شاسع بين مقر الرئيس ومقار المرؤوسين . جاهد لإسعاد الناس في المناسبات الدينية والوطنية إذا سمحت الميزانية بذلك . كانت من أهم أقواله ” إن الإدارة ليست إظهاراً للسلطة ولا تعالياً على الناس ولا إكثاراً من الحواجز دونهم حتى تتحقق هيمنة السلطة” وأيضاً  ” إن الإدارة ليست صوتاً عالياً ولا عصبية فما نجح عملٌ صاحَبه ضجيج لأن الضجيج يخفي العيوب

“رحمة الله عليه ، رحل عنا وبقيت ذكراه راسخةً خالدةً .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى