مقالات

الحوثيين .. الحوثي والخروج على المذهب الزيدي والدور الإيراني فى هذا الخروج بقلم – محمد عبد المنعم سالم

الحوثي والخروج على المذهب الزيدي والدور الإيراني فى هذا الخروج بقلم – محمد عبد المنعم سالم

محمد عبد المنعم سالم
محمد عبد المنعم سالم
ان المطّلع على أحوال المسلمين اليوم يجد أنهم متنازعون في ما بينهم فكريًّا وماديًّا، دولاً وعقائد، فرقًا وأحزابًا، وكل منكفئ على ما عنده، وكل حزب بما لديهم فرحون، في حين أنهم مهزومون أمام غيرهم ماديًّا وفكريًّا، فهل من علاقة بين تنازعهم الداخلي وشتاتهم الخارجي؟ لا ريب أن الجواب اكيد: نعم.
والقارئ لتاريخ المسلمين يجد أن أول خلاف شق وحدة المسلمين كان بشأن الإمامة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم
بدر الدين الحوثي
بدر الدين الحوثي
ولقد كان الشيعة أول من كتبوا في الإمامة ومهدوا وهذبوا نظريتها في كتابات علمية منظمة،
وقد افترقت الشيعة إلى فرق عدة وأحزاب شتى، ولم يكتب البقاء إلى وقتنا هذا إلا لفرق ثلاث وهي: الشيعة الإمامية الاثنا عشرية الملقبة بالجعفرية، والشيعة الزيدية، والشيعة الإسماعيلية.

في عام 1991م نشأ تنظيم “الشباب المؤمن” في بعض مناطق محافظة صعدة باليمن كمنتدى للأنشطة الثقافية، بعد أن انشق مؤسسه عن حزب الحق الذي تأسس عام 1990، أي بعيد إعلان الوحدة اليمنية والسماح الدستوري للتعدّدية السياسية والثقافية بإيعاز من العلامة بدر الدين الحوثي، بهدف جمع علماء المذهب الزيدي في صعدة وغيرها من مناطق اليمن تحت لوائه! وبالتالي دعم حزب الحق بصفته يمثل المذهب الزيدي.
وبدر الدين بن أمير الدين الحوثي- من كبار علماء الشيعة، جارودي المذهب، وكان من ضمن المؤسسين أيضاً محمد يحيى سالم عزان وهو مفكر زيدي معتدل، اختلف مع حسين بدر الحوثي، وانشق عن التنظيم بعد ذلك.
وتفرغ بدر الدين الحوثي وأبناؤه للقيام على تنظيم “الشباب المؤمن”، الذي استمر في ممارسة نشاطه، وتمكن من استقطاب الشباب والقبائل والوجاهات الاجتماعية في صعدة. والمشكلة أن كل ذلك كان يتم برعاية شبه رسمية في حينها وبدعم من الحكومة نفسها، وكان الهدف منها التصعيد ضد حزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض ذي الطابع السني المعتدل و السلفية التقليدية بزعامة الراحل مقبل بن هادي الوادعي التي لا يبعد مركزها بدماج سوى بعض الكيلوات عن الحوثي، وكان الغرض منها حدوث التوازن في التركيبة السكانية على زعم الحكومة اليمنية.
وبدأ حسين بدر الدين الحوثي توسيع نشاطه خارج منطقة صعدة، ليؤسس مراكز مماثلة لمركزه في عدة محافظات، وبدأت تتجلى ظاهرة حسين الحوثي فيما يطرحه من المسائل والآراء، فظهر تطاوله وتهجمه على علماء الزيدية، وآراء المذهب وكتبه, معتبراً نفسه مصلحاً ومجدداً لعلوم المذهب وتعاليمه، وتجاوز الأمر إلى حد السخرية من كتب الحديث والأصول والصحابة، وهو ما دفع علماء الزيدية لإصدار بيان نشرته صحيفة “الأمة” الناطقة باسم حزب الحق حذّر من ضلالات حسين الحوثي وأتباعه، منكراً أن تمتّ أقواله وأفعاله إلى أهل البيت وإلى المذهب الزيدي بصلة، ومحرّماً الإصغاء إلى تلك البدع والضلالات والتأييد لها أو الرضا بها.
ولم تتوقف أنشطة الحوثي والشباب المؤمن على إقامة المراكز العلمية “المسماة بالحوزات”، والمخيمات الصيفية، والندوات والمحاضرات والدروس؛ ونشر العديد من الملازم والكتب التي تروج لفكره، بل تجاوزها إلى تحريض أتباعه على اقتناء الأسلحة والذخيرة؛ تحسباً لمواجهة الأعداء من “الأمريكيين واليهود”، واقتطاع نسبة من الزكاة لصالح المدافعين عن شرف الإسلام والمذهب. عامدًا إلى الدفع بالشباب لإظهار ثقله الديني والسياسي بالتظاهر في معظم المساجد، وعقب صلوات الجمعة، وترديد شعاراتهم ضد إسرائيل وأمريكا (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود, النصر للإسلام)، وقد بلغ الأمر في إحدى المظاهرات بسقوط قتلى أثناء مسيرة نظمها التنظيم باتجاه السفارة الأمريكية إبان الحرب على العراق.
ويساعد تعاطف أبناء منطقة صعدة التمرّد الحوثي, ومردّ هذا التعاطف الأوضاع الاجتماعية والأعباء الاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطن اليمني, الأمر الذي استغله الحوثي عبر دفع الرواتب لبعض مؤيديه, وتركيزه على تقديم المساعدات الاجتماعية والخيرية, واستغلاله.
فتنظيم الشباب المؤمن هو التنظيم الذي علّق حسين بدر الدين الكثير من آمالة وطموحاته عليه, وسعى لتوفير دعم كبير وهائل له، سواء عن طريق الدعم الإيراني، أو الدعم الذي كان ينصب من قصر الرئاسة في حينها.
كان الصعود المتنامي لتنظيم الشباب المؤمن بقيادة الحوثي يتم على حساب الحجم السياسي والشعبي لحزب الحق، الذي خرج عنه حسين الحوثي من قبل، والذي يمثل الطائفة الزيدية، ويرى بعض المراقبين أن رجحان كفة تيار الحوثي تعود إلى استغلاله الدعم الإيراني المخصص لتصدير الثورة إلى اليمن، والذي كان في بداية الأمر دعماً فكرياً أكثر منه مادياً، مما أدى إلى معارك فكرية عدة بين الشباب والشيوخ أصدرت خلالها بيانات التبرؤ من تنظيم الشباب المؤمن كما أسلفنا سابقاً.
الحوثي والخروج على المذهب الزيدي والدور الإيراني فى هذا التحول
افترقت الشيعة منذ نشأتها إلى فرق عدة وأحزاب شتى، ولم يكتب البقاء إلى وقتنا هذا إلا لفرق ثلاث وهي: الشيعة الإمامية الاثنا عشرية الملقبة بالجعفرية، والشيعة الزيدية، والشيعة الإسماعيلية.
والشيعة الاثنا عشرية هم أصحاب السبق في بحث الإمامة، إذ تقوم نظريتهم على الحق الإلهي لعلي في الإمامة على سند من النص عليه من رسول الله ، وأن العدل الإلهي يكون بتنصيب الإمام من الله، وهو لطف واجب على الله تعالى، ممهدين لفكرة عصمة الإمام وعلمه المطلق.وهذا ما يرفضه اهل السنة.
وفي الجانب الآخر من التشيع يقف الزيدية كأقرب فرق الشيعة إلى أهل السنة، وتقوم نظريتهم -في أغلب آراء فقهائهم- على أن النبي لم يعيّن خليفته بالنص، بل عرفه بالوصف، وأن الأوصاف التي عرفت تجعل الإمام عليًّ رضي الله عنه وكرم وجهه، وهو الإمام من بعده، وخالفوا الإمامية الاثنا عشرية في القول باللطف واعتقاد عصمة الأئمة والعلم المخصوص لهم.

حسين بدر الدين
حسين بدر الدين
ولا ريب أن مذهب الزيدية الذي انحصر وجوده المكاني ببلاد اليمن السعيد كان أقل المذاهب الإسلامية حظًّا من الدراسة والتصنيف، ، رغم أنه مذهب به كثير من الحلول الناجحة في تهيئة أرضية مشتركة للتعايش بين المذاهب الإسلامية.وعندما نتكلم عن الحركة الحوثية يجب أن نعلم أن الحوثي ينتمي إلى الطائفة الزيدية نسبة إلى الإمام زيد -رحمه الله- بن علي بن الحسين -الملقب بزين العابدين- بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والتي تشكل أغلب سكان شمال اليمن، والتي حكمها الأئمة الزيود لسنوات طويلة، استمرت إلى قيام الثورة ضدهم عام 1962 م، لكن المذهب الزيدي أيضاً ليس فرقة واحدة وحسب، بل يوجد به أربع فرق، أهمها الهادوية، والتي تشكل الأغلبية، وهي كما يقول البعض سنة الشيعة، بحيث لا تقدح في الصحابة، وإنما تكتفي بتفضيل الإمام علي على باقي الصحابة، وأيضاً لا يؤمنون بالرجعة ونظرية المهدي، كما لا يحللون المتعة، ولا يستخدمون التقية، ولست هنا بصدد الدفاع عنهم، لكن الحقيقة يجب أن تُقال، ومن له اطلاع في المذاهب والفرق يعرف ذلك، والفرقة الأخرى وهي أقرب للشيعة الاثني عشرية منها للزيدية، وهي الجارودية؛ إذ لا يجدون بأساً في التهكم على الشيخين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- والبخاري ومسلم، وهذه الفرقة هي التي ينتمي إليها والد مؤسس الحوثية بدر الدين الحوثي، والذي يعتبر من أكبر مرجعيات هذه الفرقة، هذا ويرى الكثير من أبناء الزيدية أن حسين الحوثي خرج عن أدبيات وأفكار المذهب الزيدي في أمور كثيرة، مما جعل أفكاره أقرب لمذهب الاثني عشرية منها للزيدي المعتدل الذي يصفه الكثير بأنه أقرب المذاهب إلى مذهب أهل السنة. أما الفرقتان الأخريان فلا أعتقد أن لهما وجود باليمن حالياً، وهما السليمانية والصالحية.

ويرى الدكتور والباحث الأكاديمي أحمد محمد الدغشي أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك بكلية التربية بجامعة صنعاء أن الظاهرة الحوثية نتاج فكر جارودي مغالٍ شط عن الزيدية الأعدل والأكثر قرباً من أهل السنة والجماعة, وحسين الحوثي نسخة مستعارة من الفكر الاثني عشري، وانحرافه عن المذهب الزيدي أدى إلى تصدع الشباب المؤمن, واصطدامه بعالم الزيدية الشيخ مجد الدين المؤيدي الذي قال: إن ظاهرة الحوثية غريبة على المجتمع اليمني المسلم في أفكارها, وأطروحاتها، بعيدة كل البعد عن المذهب الزيدي الذي يشكل هو والمذهب الشافعي توأمين رئيسين وفرعين في أصل عقدي واحد هو الإسلام الحنيف.
وفي نهاية حرب عام 1994سافر بدر الدين الحوثي وابنه حسين إلى إيران, التي اختاراها بحكم التقارب الفكري، على الرغم من بعض الاختلافات في قضايا أساسية, الأمر الذي يرجع إليه انتشار بعض الأفكار الغريبة بين أتباع الحوثي, وظهور حسين اليماني الممهد للمهدي, الذي ساهم في تجميع الشباب حول حسين الحوثي، ثم رجع حسين الحوثي وهو مشحون بتلك الأفكار إلى اليمن، في حين مكث والده هناك إلى عام 2002 م.والأهم من ذلك هو إيفاد الطلاب من اليمن إلى إيران بحجة الدراسة، ولم تكن إيران التي كانت تحوم حول اليمن لنشر مذهبها فيه منذ اندلاع الثورة سنة 1979م والمسماة بالإسلامية لتفوت هذه الفرصة الذهبية، ولذا فقد سهلت لهم الوصول إليها بكل السبل، وراحت تستقبل بحفاوة العشرات من الموفدين نحوها ليس من أجل العلم، وإنما لتقوم بصياغتهم صياغة جديدة وتزويدهم بجرع غسيل الأمخاخ التي تتقنها جيداً، وذلك طبقاً لخطط مسبقة تم الاتفاق عليها.
ولقد كان حسين الحوثي من اهم المسوقين للفكر الايرانى واقتناعه الشخصي بزعيم الثورة الايرانية فلقد نشر مركز الجزيرة العربية للدراسات ملفاً مكتوباً كان يوزعه الحوثي هو وأتباعه على الناس تحت مسمى (لا عذر للجميع أمام الله) حيث يقول الحوثي في ص12 (مع أن الإمام الخميني قال قبل عشرين سنة أن أمريكا وإسرائيل تخططان للإستيلاء على الحرمين). وفى اكثر من موقع وصفحة اخري. الشاهد كثرة إعجابه بالخميني واستشهاده بمواقفه وأقواله.
وكان هذا التهليل ما هو الا مقدمة للخروج بفكرة المهدى وتذكر وكالة قدس برس أن التقرير الأمني يتهم الحوثي بتوزيع كتاب بعنوان “عصر الظهور” وهو كتاب شيعي لمؤلفه علي الكوراني العاملي الذي أشار في مقدمة طبعته السابعة مطلع العام الهجري 1424هـ إلى أنه بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران؛ ارتفع مؤشر الاهتمام بعقيدة المهدي المنتظر في شعوب العالم الإسلامي بالسؤال عنه، والحديث حوله، والقراءة والتأليف، بل وفي غير المسلمين أيضاً.
ويخصص الكتاب محوراً خاصاً عن اليمن تحت عنوان اليمن ودورها في عصر الظهور يؤكد فيه ورود أحاديث متعددة عن أهل البيت تؤكد حتمية حدوث ما يصفه الكتاب بثورة اليمن الإسلامية الممهدة للمهدي -عليه السلام- وأنها أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق. أما قائدها المعروف في الروايات التي أوردها الكتاب باسم اليماني، فتذكر رواية أن اسمه حسن أو حسين من ذرية زيد بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
ويؤكد التقرير الأمني أن الأجهزة قد ضبطت مع أحد أنصار الحوثي ويُدعى فارس مسفر سالم من أهالي ساقين بصعدة وثيقة مبايعة للحوثي باعتباره الإمام والمهدي المنتظر جاء فيها: أُشهد الله على أن سيدي حسين بدر الدين هو حجة الله في أرضه في هذا الزمان، وأُشهد الله على أن أبايعه على السمع والطاعة والتسليم، وأنا مقر بولايته وإني سلم لمن سالمه، وحرب لمن حاربه، وهو المهدي المنتظر القائم الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، أبان لنا طريق النجاة، وأوضح كتاب الله على أوضح بيان، فنسأل الله أن يحشرنا في زمرته.

الخروج المسلح للحوثيين ودعم قطر للحوثيين
وهي مرحلة التنظيم المسلّح العلني للشباب المؤمن، أو ما بات يُعرف بجماعة الحوثي، و تبدأ منذ الشهر السادس من عام 2004م، حيث تحوّل التنظيم إلى الميلشيات العسكرية ذات البُعد الأيديولوجي كما يقول الدكتور الدغشي. وقد خاض خمسة حروب مع الجيش اليمني، على مدى يزيد قليلاً عن أربعة أعوام، بدءاً من 18/6/2004 وحتى 17/7/2008، وإن تخللت كل حرب وأختها استراحة محارب، على الرغم من الإعلان الرسمي من الجانبين الالتزام بإيقاف الحرب، مع ملاحظة أن المبادرة عادة ما تبدأ من قيادة الجيش اليمني، حيناً، أو من الرئيس اليمني شخصياً حيناً آخر. وفي هذا التوقيت دخلت دولة قـطر علي الخط وقامت بوساطة بين الحوثيين والحكومة اليمنية في سنة 2008م،
وحتى وبعد ان أعلنت وزارة الدفاع اليمنية رسميا فى 10 سبتمبر 2004 مقتل حسين بدر الدين الحوثى وعدد من أتباعه فى منطقة جرف سلمان بمنطقة مران محافظة صعدة على يد قوات الجيش أثناء الجولة الأولى من 6 حروب خاضتها السلطة مع الجماعة، ورفضت السلطات تسليم جثمان حسين أو الكشف عن مكان دفنه الأمر الذى عزز من تشكيك الحوثيين بعدم وفاته.
إلاّ أنها لا تزال قوية بقيادة أخيه الأصغر عبد الملك الحوثي وقادة ميدانيين آخرين.
ويلفت النظر أن الحرب الخامسة قد توسّع نطاق عملياتها، إذ لم تنحصر في مناطق صعدة، كما حدث في الحروب الأربع السابقة، بل تفجّرت في بعض المناطق ذات الولاء التقليدي للزيدية الهادوية، ومن عُمق تلك المراكز العلمية التي أنشئت في سنوات سابقة، في إطار نشاط جماعة الشباب المؤمن، ومنها مديرية بني حشيش إحدى أقرب مديريات محافظة صنعاء، حيث قامت بعض عناصر الحوثي بفتح جبهة جديدة هنالك، استنزفت الجيش اليمني كثيراً.
ومع ما أعلنه الجيش لاحقاً من القضاء التام عليها. تلك التي لا تجد لها مُناخاً أفضل من مُناخ الأزمات وصناعة الفتن، حيث يثري فيها تجّار الحروب، وتعلو أسهم ذوي المزايدات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى