مقالات

تدخل فرنسا في ليبيا ليس من أجل الصالح العام – بقلم – احمد سلهوب

لبيبا تلك الدولة كبيرة الحجم قليلة السكان غنية الموارد أضحت ركيزةً أساسية للأمن الأوروبي، خاصة الدول التي تشارك طرابلس مياه البحر الأبيض المتوسط كفرنسا وإيطاليا. فجغرافية ليبيا المترامية الأطراف والبالغة مساحتها نحو مليون و700 ألف كيلومتر مربع، تعاني من فراغ أمني بعد انتهاء حقبة القذافي، نجم عنه بزوغ جماعات متطرفة وانتعاش تجارة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.

احمد شلهوب
احمد سلهوب
وما زاد الطين بلة هو الانقسام والتصدّع الحادث بين مختلف ألوان الطيف السياسي الليبي، زد على ذلك النزعة القبلية التي تعلو تارة وتختفي أخرى من المشهد السياسي.
فتلك التطورات الحاصلة في ليبيا بعد ثورة السابع عشر من فبراير عام 2011، وحالة التشظي تلك زادت وتيرتها بفعل تدخلات إقليمية لها أجندتها الخاصة، دفعت دولاً عدة منها مصر، إلى أن تضع الأمن الليبي في حسبانها، وأن تجعل من وحدة وسلامة أراضيها هدفاً منشوداً، لما له من نتائج كارثية في حال غيابه وتمدّده واتساعه وعدم انحساره.
وبالعودة إلى الأهمية الاستراتيجية لليبيا من المنظور الأوروبي، فقد حرص الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون على عقد لقاءٍ مشترك بين رئيس الحكومة فايز السراج المُعترف به دولياً، وبين قائد ما يُطلق عليه جزء من الشعب الليبي الجيش الوطني بقيادة اللواء خليفة حفتر الذي بُعث للحياة السياسية من جديد بعد الإطاحة بالقذافي، حيث كان متوارياً عن الأنظار بعد خلاف حاد نشب بعد الحرب الليبية التشادية التي انتهت عام 1987 وخسرتها ليبيا لصالح تشاد المدعومة فرنسياً آنذاك.
تدخلت فرنسا وجمعت بين قطبي الخلاف الرئيسيين في ليبيا ليس من أجل الصالح العام في ليبيا، بل لقد تدخلت مدفوعةً بحرصها على أمنها ومصالحها في المقام الأول، وبعد التهديدات التي أطلقتها الحكومة الإيطالية ضد الاتحاد الأوروبي بأنها ستتساهل في صد الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من ليبيا، إذ لم تبذل الحكومات الأوروبية جهوداً مكثفة لمساعدة روما في مواجهة موجات المهاجرين القادمين من جنوب المتوسط. الأسباب التي دفعت باريس لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر، وإصدار بيانٍ قالت فيه إن الطرفين اتفقا على تهيئة المناخ السياسي ليكون صالحاً لإجراء استحقاقات انتخابية في المدى المنظور، كثيرة منها:
أولاً- أن فرنسا في اعتقادي تتخوف من أن يستغل تنظيم داعش الهجرة غير الشرعية، ويدسّ عناصر تابعةً له لتنفيذ عمليات إرهابية متخذين ليبيا مسلكاً لهم، خاصة القادمين من دول الساحل الإفريقي (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد)، حيث أبرم الرئيس الفرنسي المنتخب حديثاً ماكرون في الثالث من يوليو 2017 اتفاقيةً في العاصمة المالية باماكو مع قادة تلك الدول لمحاربة الجماعات المنتشرة عبر إنشاء قوة عسكرية قوامها خمسة آلاف جندي بتكلفة 423 مليون يورو.
ثانياً- فرنسا ترفض استقبال مهاجرين جُدد، وهذا ما عبرت عنه لإيطاليا، حيث أثار هذا الرفض حفيظة رئيس الحكومة الإيطالية باولو جينتلوني، كما أن للسلطات الفرنسية تجربةً مريرة مع اللاجئين على أراضيها، وكان ذلك جلياً في مخيم كاليه شمالي البلاد. ثالثاً، حكومة ماكرون ترى في استقرار ليبيا سلاحاً فتاكاً لتقويض حركة المتطرفين في منطقة الساحل، لكون الجنوب الليبي تحول نقطة ارتكاز وملاذاً آمناً للإرهابيين، خاصة منذ انطلاق العملية العسكرية الفرنسية “سرفال” التي دحرت الجماعات الإسلامية المتشددة شمالي مالي مطلع 2013. وبالنظر إلى ما سبق نستطيع القول إن ليبيا محط اهتمام العالم الغربي ومصر، خاصة لوجود حدود مشتركة بينهما، وأن حالة الاستقرار السياسي تجعل من القائمين على الحكم يقومون بضبط بوصلة الأمن وتغيير دفة البلاد من حالة الحرب إلى حالة السلم الأهلي.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى