الأقتصاد

كبير الاقتصاديين السابق بـ “إرنست آند يونغ” يرصد تراجع الاقتصاد الروسي

نشرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، مقالاً للخبير الاقتصادي “ويليام ويلسون”، كبير الاقتصاديين السابق بمؤسسة إرنست آند يونغ، يناقش فيه مدى المعاناة التي يواجهها الاقتصاد الروسي في ظل انهيار أسعار النفط والعقوبات الاقتصادية، فضلاً عن الآفاق المستقبلية لتحقيق الانتعاش.

ويرى الكاتب أن احتمالات نمو الاقتصاد الروسي حالياً تبدو مظلمة، مرجحاً أيضاً عدم حدوث انتعاش سريع ومطرد في أسعار الطاقة بما يصل إلى المستويات التي شهدتها في وقت سابق من هذا العقد.

ويدلل الكاتب على وجهة نظره بتحليل الأرقام المبينة في الرسم البياني المصاحب، مشيراً إلى أن هناك حقيقة واحدة مثيرة للدهشة؛ ألا وهي أن النمو الروسي بدأ في الانخفاض بسرعة في الربع الأول من عام 2012، قبل انخفاض أسعار النفط أو فرض العقوبات الاقتصادية. وبلغت نسبة الانخفاض ما يقرب من واحد في المئة.

كان النمو الهائل في الائتمان الاستهلاكي، الذي لم يكن مستداماً، هو السبب وراء معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي الذي بلغ 4 في المئة. ويقدر البنك الدولي أنه بحلول عام 2017 سينخفض الناتج المحلي الإجمالي الروسي عما كان عليه في عام 2012.

يعتمد الاقتصاد الروسي بشكل خطير على الطاقة. وتشكل الهيدروكربونات ما يقرب من 70 في المئة من الصادرات، وتأتي 50 في المئة من إيرادات الحكومة من القطاع النفطي مباشرة. ونظراً لهذه العلاقة القوية، انهار سعر الصرف إلى 62 روبل للدولار الواحد اعتباراً من أكتوبر (تشرين الأول) 2015، مقارنة بمتوسط 29 روبل لكل دولار عن نفس فترة العشر سنوات التي سبقت الانخفاض الذي حدث في العام الماضي. وزاد التضخم خلال العام الماضي من 7.8 حتي 15.8 في المئة.

وبعد أن كان هناك فائض في الميزانية في وقت قريب في عام 2012، من المتوقع أن يصل عجز الموازنة لموسكو إلى 4.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015. وهذا بمثابة اضطراب هائل خلال فترة قصيرة من الزمن.

روسيا في طريقها لاستنزاف احتياطاتها المالية
ووفقاً لمؤسسة “موديز” للتصنيف الائتمانى، تعتزم وزارة المالية الروسية سحب أكثر من تريليونيْ روبل من واحد من اثنين من صناديق الثروة السيادية لتغطية العجز. وقال وزير المالية أنطون سيلوانوف إن روسيا يمكن أن تستنفد كل أموال الصندوقيْن في أقل من عامين إذا ما استمرت في الاعتماد على الاحتياطيات لتحقيق التوازن في الميزانية.

وذكر محافظ البنك المركزي الروسي أن الاحتياطيات الدولية بلغت 370 مليار دولار في أوائل أكتوبر (تشرين الأول)، بانخفاض عن أعلى مستوياتها في الماضي عندما سجلت 510 مليار دولار. وبعد التفاخر بتصنيف الديون السيادية من فئة الاستثمار لعدة سنوات، شهدت روسيا خفض تصنيفها هذا العام من قِبَل كل من مؤسستيْ ستاندرد آند بورز وموديز.

22 مليون فقير في روسيا
في الوقت نفسه، انخفض الإنفاق الاستهلاكي بأسرع وتيرة له منذ أزمة عام 1998 – مسجلاً 7.5 في المئة في الربع الثاني. وارتفع معدل الفقر بنسبة اثنين في المئة فقط في الفصول الأربعة الأخيرة. هذا ويعيش اثنين وعشرين مليون روسي الآن في فقر.

وبرغم استقرار عدد سكان روسيا في السنوات الأخيرة، فإن السبب هو زيادة معدلات المواليد نسبيا خلال الثمانينيات. ومع انخفاض معدلات المواليد خلال التسعينات، من المتوقع أن يتراجع عدد سكان روسيا سريعاً عما قريب.

ويؤكد الكاتب أن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت بعد غزو روسيا لشبه جزيرة القرم أحدثت ضرراً أعمق مما يمكن توقعه. فقد أدت العقوبات الصارمة التي فرضتها عدة دول غربية إلى منع الشركات الروسية من جمع الأموال في أوروبا والولايات المتحدة، وحالت أيضاً دون إبرام منعت صفقات أسلحة جديدة.

انهيار في النشاط الاقتصادي
ويدل الانخفاض في قيمة التجارة على انهيار في النشاط الاقتصادي. وخلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، انخفضت الواردات بنسبة 39 في المئة بينما انخفضت الصادرات بنحو 30 في المئة.

وبالنظر على المدى الطويل، بدون إصلاحات اقتصادية هيكلية عميقة ومتواصلة، فإن روسيا، التي تُصنَّف باعتبارها دولة ذات دخل مرتفع من قِبَل البنك الدولي، ستواجه مستقبلاً قاتماً، بحسب الكاتب، مشيراً إلى أن الثلوج غطت موسكو في الأسبوع الأول من أكتوبر (تشرين الأول). ويجب على الروس الاستعداد لفصل شتاء طويل.

قبل الثورة البلشفية، قال فلاديمير لينين “كلما ساءت، كان الوضع أفضل”. كان لينين يعني أن المزيد من تدهور الأوضاع تحت القيصر الروسي (وبعده) سيرجّح حصول البلاشفة على السلطة، وكان في ذلك بعيد النظر. فهل يعيد التاريخ نفسه؟ كانت روسيا تأمل في خفض الإنفاق الدفاعي، ولكن بالنظر إلى حملتها في سوريا (وتوغلها المسبق في أوكرانيا)، فإنها تواجه مشكلة.

وتشير استطلاعات الرأي بأن شعبية فلاديمير بوتين لا تزال مرتفعة في روسيا. لكن الكاتب يحذر من أنه لن تدوم شعبية بوتين المرتفعة في حال عدم تحسن الأسس الاقتصادية للبلاد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى