مقالات

الثورات العربية: إعداد المسرح لحروب الأيام الأخيرة .. بقلم … محمد العزبي

الثوuرات العربية: إعداد المسرح لحروب الأيام الأخيرة

في كلّ زمنٍ يظنّ الإنسان فيه أنه يتقدّم في الاتجاه الصحيح، تأتي الأحداث لكي تثبت بالدليل القاطع أن البشر غير قادرين أبداً على الوصول إلى السلام والازدهار المنشودين؛ فبعض ابتداء الثورة الصناعية انتشر في أوربا صنفٌ من الفلسفة المسيحية المتفائلة، المتأثّرة ببعض الفلسفات التاريخية، التي تعظ بأن العالم يتجّه بسرعة نحو السلام والازدهار؛ إلا أن الحربيتين العالميتين أطاحتا بتلك الفلسفة المسيحية لتتركها هباءً منثوراً. فقد أثبتت هاتين الحربين مع ما سبَّبته من تدميرٍ هائلٍ حصد مئات ملايين القتلى والجرحى والمشوَّهين والمشرَّدين بأنّ البشر هم أنفسهم لم يتغيَّروا منذ بدايتهم على هذه الأرض.
وفي هذه الأيام يتفاجأ العالم بما حدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط وما يجاورها، من باكستان وحتى المغرب. المنطقة التي كان، وما زال يحكمها، مجموعة من أعتى الديكتاتوريات والأيديولوجيات الاستبدادية في العالم، والتي استطاعت زرع الخوف والجهل في نفوس مئات الملايين ، أصبحت الآن تشتعل كلّها من مشرقها إلى مغربها، فجأة وبسرعة، وبشكل لم يكن بالإمكان توقّعه حتى من قِبَل أفضل مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم. فما من أحدٍ منها، كما أظن، كان يتوقَّع وقوع مثل هذه الأحداث المتسارعة والمفاجئة والكاسحة، وخصوصاً ممن يضع آمالاً عريضةً على التقدّم والازدهار في هذه المنطقة من العالم، وممن يعتقد أن قيَم الحرية واحترام إنسانية الإنسان، التي لم توجد لقرونٍ طويلة، يمكن أن تجد لها موطئ قدم هنا. هذه الأحداث التي فاجأت أعظم دول العالم زرعت أملاً في نفوس الملايين من سكّان هذه المنطقة بمستقبلٍ مليءٍ بالحريّة والازدهار والمساواة، كما دفعت بملايينٍ آخرين إلى القنوط واليأس وهم يراقبون كلّ أحلامهم وآمالهم بالاستقرار والتقدُّم تنهار خلال بضعة شهور، وبطريقةٍ لم يتوقّعها أحد. انهيار الأحلام تلك تترافق بمعطياتٍ واقعيّة تتمثَّل في انتشار العنف بين الأطراف المتنازعة، وانكسار حاجز الخوف بطريقة سلبية عند الملايين التي وجدتها فرصةً سانحة لممارسة غوغائيّة كارثيّة تترافق بجهل وتحجُّرٍ عقليّ ما قبل قروسطي قلّ نظيره، مع إعادة بروز الحقد المذهبي والديني والعشائري والمناطقي بطريقة حادّة ومفاجئة لمن كان يظنّ بسذاجةٍ أنّ المنطقة في طريقها للتخلُّص من كلّ تلك الأمور. هذا العنف ليس كبعض العنف الذي نراه ونسمع عنه هنا وهناك في بعض مجاهل آسيا وأفريقيا الذي يهدف إلى الحصول على السُّلطة وبعض المال، بل هو عنفٌ مقادٌ بأيديولوجية دينية متشدِّدة تمجِّد الموت وتعتبر أنّها تملك الحقّ المطلَق والصلاحية المطلقة للقضاء على كلّ من يفكِّر بالوقوف في طريقها، وإن كانت تستعمل الوسائل السياسية وغوغائية الشارع بعد أن اكتشفت أنها أكثر فاعليةً. فها هي مصر على سبيل المثال تقف على حافّة مستقبلٍ مجهولٍ ومخيف بالنسبة للكثيرين، بعد أن تم الإعلان في الفترة الماضية عن تشكيل جبهة سياسية تجمع التيّار السلفي وشقيقه الأخواني (الأخوان المسلمون)، وهذا ما يشكِّل بلا شكّ قوّةً ضاربةً على المستويين الشعبي والسياسي في تلك الدولة المعتادة على حكم العسكر، ويجعلنا نتوقَّع حكماً راديكالياً دينياً (أو للنفوذ الديني دور كبير فيه). هذا يدفعنا لنعود فنقرأ بتأنٍّ النبوءة الواردة في إشعياء19 (والتي لجزء منها تحقيق تاريخي قديم) الذي يتحدّث عن وقوع مصر في يد ديكتاتور قاسٍ لا يرحم، مباشرةً قبل مجيء المسيّا. والثورات العربية المتتابعة والمتشابهة الطّابَع والمنتشرة كالنار في الهشيم، تجعلنا نرى بأن هناك حلقة ما تكتمل حول منطقة أورشليم، لها سمات واحدة وجاهزة للانقضاض لأخذ المدينة، في وقت ما، بعد أن كُسِر حاجز الخوف للأبد، وبعد أن استردّت هذه الشعوب، المُقادة بثقافة متشددة نافية للآخر، ومهووسة بالأماكن المقدَّسة، ثقتها بقدرتها على إسقاط من تريد وفي أي وقت تريد.
هذا جانبٌ من المسألة، ولكن لا يمكن أن ننسى التحضيرات التي تقوم بها الدولة الفارسية لإطلاق مشروعها النووي بمباركة علنية من الرّوس، وضمنيّة من الأتراك الذين وإذا كانوا منافسين أقوياء للفرس في النفوذ على المنطقة، إلا أن خيطاً رفيعاً غير منظور يجمع بين الأيديولوجيتين اللتين تسودان في البلدين الجارين. المشروع النووي لهذه الدولة لا يمكن فصله عن معتقداتها الدينية المتعلِّقة بنهاية العالم، والمتعلِّقة بمجيء المهدي المنتظَر، الذي وحسب اعتقادهم سيوحِّد تلك المنطقة بجميع بلدانها تحت لوائه، وسيشنّ الحرب الأخيرة على “اليهود والكفّار” و”المستكبِرين”، ويعلن مملكته العالمية وعاصمتها مدينة أورشليم القدس، بعد أن يحقِّق ما يُسمّى بـ“الفتح الرابع”، بحسب أحد السيناريوهات الإسكاتولوجية (الأخروية) الإسلاميةوالذي يؤمن به الأغلبية الساحقة من علماء المسلمين، المعتدلين والمتشددين، بمن فيهم مفتي سوريا.
ويعلن سفر حزقيال النبي بوضوح في الفصل 38:
“…هكذا قال السيد الرب هأنذا عليك يا جوج رئيس روش ماشك وتوبال [مناطق في تركيا الحالية]، وأرجِعك وأضع شكائم في فكّيك، وأخرجك أنت وكلّ جيشك خيلاً وفرساناً، كلهم لابسين أفخر لباس، جماعة عظيمة مع أتراس ومجانّ، كلّهم ممسكين السيوف. فارس [إيران] وكوش [السودان] وفوط[ليبيا وتونس والجزائر] معهم كلهم بمجن وخوذة، وجومر[منطقة في تركيا الحالية] وكل جيوشه، وبيت توجرمة [منطقة في تركيا الحالية أيضاً] من أقاصي الشمال مع كل جيشه. شعوباً كثيرين معك. استعد وهيّئ لنفسك أنت وكل جماعاتك المجتمعة إليك فصرت لهم موقَّراً. بعد أيام كثيرة تُفتَقَد، في السنين الأخيرة تأتي إلى الأرض المسترَدّة من السيف، المجموعة من شعوب كثيرة على جبال إسرائيل، التي كانت دائمة خربة للذين أُخرِجوا من الشعوب وسكنوا آمنين كلّهم.”
وهنا ينبغي الانتباه إلى أن الحرب المذكورة لم تحدث تاريخياً أبداً، بالإضافة أن النص السابق يصرِّح بأن المعركة ستحصل “بعد أيام كثيرة…في السنين الأخيرة”، أي في الأيام الأخيرة (بفترة ما بعد مجيء يسوع المسيح على الأكثر) وقبل مدة قصيرة من انتهاء الدهر.
إنّ أحد أقوى الأسئلة التي تطرح نفسها هنا: هل من قبيل المصادفة أن تكون إحدى الأمم، وهي الأمة الفارسية، التي ذكرها حزقيال في قائمته، والتي كانت وثنيةً حينها، هي الأشدّ عداءً اليوم لأحفاد العبرانيين وتنتظر بفارغ الصبر “مسيحاً” سيأتي للقضاء على الشعب العبرانيّ؟!! وهل من قبيل المصادفة أن معظم باقي الأمم المذكورة تمتلك قاعدة أيديولوجية مشابهة ولو أنها لم تصل للسلطة بعد؟
كل هذه الأحداث وغيرها من كوارث طبيعية لم يشهد لها العالم مثيلاً بمثل هذه الكثافة التي قضت على العديد من سِلال الغذاء العالمية في روسيا وأستراليا وباكستان والبرازيل والصين، وآخرها كانت الكارثة النووية التي أصابت ستة مفاعلات نووية في موقع فوكوشيما الياباني، تجعلنا نعود لننظر مرّة أخرى بكل تقدير وذهول إلى نبوءات الكتاب المقدَّس المختصة بنهاية هذا الدهر الحاضر ومجيْ يِشوع المسيا مع قدّيسيه لإنشاء مملكته الأرضية العتيدة. فكلّ ما يحدث الآن من تطورات في منطقة الشرق الأوسط يذكِّرنا بما هو مذكور في الفصل 38 من سفر حزقيال، وهي واحدة من اكثر النبوءات إثارة للدهشة في الكتاب المقدَّس، والتي كما ذُكِر سابقاً لا يمكن الادّعاء أبداً بأن لها تحقيق تاريخي قديم قد انتهى، فالتاريخ لم يشهد قطّ اجتماع كل هذه الأمم للمجيء للحرب في اليهودية والجليل بعد العودة من السبي في القرن السادس قبل الميلاد أو ما بعده. فالأمم المجتمعة معاً للحرب، كما ذكرنا أعلاه، والمذكورة في النبوءة، والتي توافق اليوم إيران (فارس)، وتركيا (جومر وتوجرمة وماشك وتوبال)، وليبيا وأجزاء من المغرب العربي (فوط)، وكوش (السودان)، لم يكن يجمع بينها أي شيء في زمن النبي حزقيال، وحتى أن بعضها كان غير معادٍ للشعب العبراني مثل فارس التي كانت داعمة له بقوة وحماس. إلا أنها اليوم تجتمع كلها وفق أيديولوجية متقاربة إلى حد ما أو مؤهَّلة للتقارب (كما نرى في التقارب الإيراني- التركي غير المسبوق)، حيث يمكن لها أن تزداد تقارباً في حال ظهور شخصية قيادية (المهدي مثلاً أو ما يشابهه) يلبّي احتياجات هذه الأمم ويعدها بالنصرة والازدهار وتحقيق السيادة أو المكانة الرئيسية على الأقل في النظام العالميّ الموجود عندها.
فاليوم نشهد بوضوح توجُّه الشرق الأوسط لأن يحوي قوتين إسلاميتين كبيرتين لا ثالث لهما هما تركيا وإيران، مع اعتقادي الشخصي بزوال القوة السورية أو انضوائها الإجباري تحت لواء إحدى هاتين القوتين. قد يرى البعض أن هاتين الدولتين متخالفتا المصالح والتوجُّهات، ولكنني أراهما قريبتين ومتعاونتين في اقتسام الكعكة الشرق أوسطية، وخصوصاً في حال وجود عدوّ مشترك!
قد تختلف التفسيرات لبعض النصوص النبوية فيما يتعلّق بهويةّ المملكة العالمية القادمة وخلفيّتها الثقافية ومركز قوّتها الرئيسي (أوربا أو الشرق الأوسط)، إلا أن جميع التفسيرات التي تؤمن بالنبوءات، ورغم اختلافها في التفاصيل، تعلِّم بأن مركز الصراع القادم بدون أدنى شكّ هو في أورشليم وما يحيط فيها التي ستكون ” كأس ترنُّح ٍلجميع الشعوب…و…حجراً مِشوالاً لجميع الشعوب، وكلّ الذين يشيلونه ينشقّون شقّاً. ويجتمع عليها كل أمم الأرض.” [1] حيث ستبقى أورشليم “مدوسةً من الأمم [غير اليهود] حتى تكتمل أزمنة الأمم.” كما يقول يِشوع المسيّا نفسه في إنجيل لوقا. [2] وتخبرنا نبوءة أخرى في سفر دانيال النبي بأنّ “…شعب رئيسٍ آتٍ يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة، وإلى النهاية حربٌ وخرب قُضي بها. ويثبّت عهداً مع كثيرين في أسبوعٍ واحد، وفي وسط الأسبوع يبطِل الذبيحة والتقدمة، وعلى جناح الأرجاس مخرَّبٌ حتى يتم ويصبّ المقضي ّعلى المخرِّب.” (دانيال9: 26-27). فبعد صلب المسيح المذكور في النص السابق (وهذا لا يعني بعده مباشرةً) سيأتي قائدٌ عظيم يعقد السلام مع الشعب العبرانيّ، ولكنه سيحنث بوعده في منتصف مدة الهدنة التي هي أسبوع سنوات واحد (7 سنوات)، ويبطل الذبيحة ويعلن الحرب على أورشليم، التي سينصِّب نفسه فيها [3] “ويتكلَّم بكلام ٍضدّ العليّ، ويبلي قديسي العليّ، ويظن ّأنه يغيّر الأوقات والسّنّة…”. وينبغي هنا التأكيد أن هذا لا ينطبق، ولا بأيّ طريقة، على دمار أورشليم على يد تيطس الروماني، والأحداث التي سبقت ذلك.
إلا أن النبوءة تكمل لتخبرنا ما هو أيضاً مسجَّلٌ في النبوءات الأخرى والمزامير بأن هذه المملكة لن تستمر طويلاً فسيأتي المسيّا ويخلع قائدها والملوك الذين معه ويقضي عليها في أوج ازدهارها حيث “يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً، ومُلـْـكها لا يُترَك لشعب ٍآخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد.” “والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تُعطى لشعب قدّيسي العليّ. ملكوته ملكوت أبدي وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون.” ومن الواضح هنا بأن النبوءة تتحدّث عن مملكة أرضية ملموسة سيقيمها يِشوع المسيّا، وسيخضع لها ملوك الأرض ووجهائها الذين سيكونون على الأرض وليس في السماء بكل تأكيد( كما تتحدّث بعض التفسيرات الرّمزية بدون أي مبرِّر واضح)، وذلك بعد أن يقضي على مملكة الشرّ التي تهين اسم العليّ وتقتل وتسحق أولاده، في حرب هرمجدّون التي تتحدّث عنها العديد من الأسفار النبوية، سواء بالاسم كما في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي أو بدون ذكر اسمها كما في أسفار إرميا وصفنيا وزكريا ويوئيل وغيرها.[4] كل يائسٍ من مستقبل الأرض وقدرة البشر على تحقيق السلام الدائم، يجب أن يعلم أن يِشوع المسيا هو الأمل الأخير والوحيد لهذا العالم، وهو إذ يأتي بمجدٍ، سينهي هذا الدَّهر الحاضر ويعلن بداية الدهر الآتي في مملكته المجيدة، التي ستكون المثال الأبهى لقصد الرب لهذه الأرض وساكنيها ومخلوقاتها. وتكون الرياسة على كتفه إلى الأبد. هذه المملكة العتيدة والمرتَقَبة ستعلِّم البشرية القصد الأزلي لها، فهي ستفدي الخليقة الطبيعية، كما أنها ستفدي التاريخ والظاهرة البشرية بمختلف ظواهرها وعلاقاتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى