بقلم/ منصور جبر : الساحق الماحق والبلا المتلاحق
يقع أحدنا في هفوة فتنهال عليه الدعوات من كل مكان، يقع في ذنب فتأتيه اللعنات من كل جانب، يقصر في طاعة فتأكله أعين الناس من رأسه إلى أخمص قدميه انتقاصا وازدراءً.
هكذا نحن، لا نترفق بالعاصي، ولا نحبب له الطاعة، بل نمقته، ونزدريه، ونظن أننا ملائكة تطوف حول البيت المعمور، بينما هو شيطان رجيم مطرود.
نعاني من قسوة في تعاملنا مع الآخرين.
هب أن إنسانا وقع في كبيرة من الكبائر، ماذا سيجني إن دعوت عليه بالساحق والماحق والبلاء المتلاحق، أو رميته بقول بعضهم: إلى جهنم وبئس المصير، لكن: لِمَ لم تدعُ له؟ لِمَ لم تترفق به؟ ثم هل أمِنْتَ نفسك من أن تقع فيما وقع فيه؟ هل أنت معصوم؟ ألا تخاف أن تعيِّرْه بمعصيته فلا تغادر الدنيا حتى تقع في نفس المعصية؟.
نحن بحاجة إلى أن نترفق بالعصاة، وأن ندعوا لهم بالهداية، وأن نمد أكفنا لهم بانشراح ورحمة وعطف وحب، نحتضنهم، فهم بشر، وليسوا شياطين، قلوبهم وقلوبنا بيد الله يقلبها كيف يشاء.
ثم هل سلِمنا نحن من معاصٍ نقترفها؟ ألسنا مذنبين؟ هات لي أحدا لم يذنب، وأنت يا قائم الليل وصائم النهار، أما تخاف من غطرستك؟ وقسوتك على زوجتك؟ أو اغترارك بصلاحك؟ أما تخشَ ذنوب القلوب وغوائلها، فإنها أشد فتكا من الذنوب الظاهرة.
أخبرني والدي السيد محمد هاشم جبر حفظه الله، أنه في إحدى قرى اليمن كان الناس في طريقهم إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة يمشون على أقدامهم، فرؤوا شيخا كبيرا فوق (عُشَّةٍ) يبنيها من القش، فقالوا انظروا إلى هذا العجوز الغابر، الناس في طريقهم إلى صلاة الجمعة وهو مشغول بالدنيا رغم كبر سنه وقربه من الموت، فقال بعضهم: ادعوا له، فدعا له الناس، قالوا: وعَجِبوا في الجمعة القابلة عندما رأوه قد اغتسل وصلى معهم في المسجد، والأعجب أنه مات وصلوا عليه الجمعة التي تليها.
لا تيأس من أحد، ولا تسخر من عاص، ولا تزدرِ مذنبا، ولا تشمت بأحد أبدا، واستخدم الدعاء والرفق فالبركة والخير فيهما.
وأختم بقصة جميلة ذكرها ابن كثير في تفسيره، يقول: كان رجل من أهل الشام ذو بأس، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففقده عمر فقال: ما فعل فلان بن فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين يتابع في هذا الشراب –يعني شرب الخمر-. قال: فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب: (من عمر بن الخطاب إلى فلان ابن فلان، سلام عليك، أما بعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، {غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير}. ثم قال لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يُقْبِل بقلبه، وأن يتوب الله عليه). فلما بلغ الرجل كتابُ عمر جعل يقرؤه ويردده، ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي..
فلم يزل يُرَدّدها على نفسه، ثم بكى ثم نزع فأحسن النزع –يعني تاب من شرب الخمر-فلما بلغ عمر رضي الله عنه خبرهُ قال: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم زل زلَّة فسددوه ووفقوه، وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه.