السياسة

فرنسا تستثمر الخلاف بين المغرب والجزائر

فتحت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، الباب لتأويلات عدة بشأن علاقة باريس بدول المنطقة، وانعكاس زيارته للرباط على العلاقات بين المغرب والجزائر، وبين بلاده والأخيرة من جهة أخرى.

يمثل ملف “الصحراء الغربية” نقطة الخلاف الأبرز بين المغرب والجزائر من جهة، وكانت أحد أسباب التوترات بين الرباط وباريس منذ فترة بسبب ضبابية موقف الأخيرة من القضية التي تعتبرها الرباط قضية وطنية، وتقيم علاقتها مع الدول على أساس موقفها من وحدتها الترابية.

الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفرنسي إلى المغرب، بعد إعلان ماكرون في يوليو الماضي دعمه لسيادة المغرب على الصحراء، وحديثه عن أن حل النزاع يجب أن يكون ضمن هذا الإطار، أثار غضب الجزائر التي سارعت لسحب سفيرها غداة إعلان باريس.

نقطة أخرى زادت من زيادة حدة التوترات بين الجزائر وباريس، خاصة أنه توقيت زيارة ماكرون للمغرب، كان هو المرتقب لاستقبال الرئيس الجزائري في باريس، والذي أجرى فيه تبون أيضا زيارتين إلى مصر وسلطنة عمان، ما يفتح الباب لتساؤلات هامة.

أبرز هذه التساؤلات ترتبط بالتحرك الاستراتيجي لفرنسا، واختيارها للمغرب على حساب الجزائر، أو استبعاد تلك الفرضية، باعتبار أهداف ماكرون بعيدة عن الأزمة مع الجزائر، وتسعى لترميم تصدع علاقة بلاده مع عدد من الدول الأفريقية، ورهانه على المغرب في هذا السياق.

حول التساؤلات المطروحة، قال الأكاديمي والخبير الاستراتيجي، محمد الطيار، إن زيارة ماكرون للمغرب تعد منعطفا مهما في تاريخ العلاقات بين المغرب وفرنسا.

وأضافأن الزيارة تمثل تحولا في رؤية الدولة العميقة في فرنسا إلى المغرب، بعد إدراكها أن المملكة هي القادرة وحدها على إسعاف تدهور علاقة فرنسا بإفريقيا وبالخصوص دول الساحل الأفريقي، وهو ما اتضح في إشارة ماكرون بشأن أهمية الدور الذي يلعبه المغرب في أفريقيا.

وتابع “اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، بشكل رسمي وصريح وفتح قنصلية بمدينة العيون، له تداعيات واسعة على السياسة الجزائرية التي جعلت من ملف الصحراء، ملفا وطنيا داخليا تقوم على أساسه علاقات الجزائر الدبلوماسية”.

حول ما إن كانت زيارة ماكرون للمغرب تأتي على حساب العلاقات مع الجزائر، يقول الطيار، إن زيارة ماكرون للمغرب هي اختيار استراتيجي جديد لفرنسا مرتبط بوضعها الاقتصادي داخليا، وبوضعها في إفريقيا الذي ازداد انكماشا وتقهقرا، دون أن يرتبط ذلك بالأزمة مع الجزائر.

في الإطار، قال البرلماني الجزائري علي ربيج، إن اختيار الرئيس ماكرون زياره المغرب والقفز على الزيارة التي كانت مرتقبة للرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا، تأتي في إطار تسمية الحسابات تصفية الحسابات بين فرنسا والجزائر.

وأضاف أن ماكرون من خلال الزيارة، يلوح بأنه يضغط على الجزائر بتعويضها بالمغرب، في الوقت الذي تضع الجزائر العلاقات مع باريس في خانة العلاقات التي يجب إعادة صياغتها وإصلاحها، إذ تعاني عدة اختلالات.

وشدد على أن إصلاح هذه العلاقات يتطلب اعتراف الحكومة الفرنسية بالأخطاء التي ارتكبت في الماضي في ملف التاريخ والذاكرة، وفي الجانب الاقتصادي الآن.

ويرى أن سيطرة اليمين المتطرف في فرنسا الآن، قد تكون أحد الأسباب التي دفعت بماكرون تجاه المغرب، دون الجزائر.

وفق ربيج فإن فرنسا لا تستطيع الاستغناء عن الجزائر، لكن تحركات ماكرون تعد مناورة، وعبارة عن رسائل للجزائر على اعتبار أن فرنسا يمكن أن تستبدلها بالمغرب.

ويرى أن جوانب سياسية واستراتيجية واقتصادية، وما يرتبط بالغاز والبترول ومنطقة الساحل ومكافحة الإرهاب وكل هذه القضايا والهجرة، في المتوسط، تتصل بشكل مباشر بالجزائر وفرنسا، ولا يمكن للأخيرة التخلي عن الجزائر، في حين أن الأخيرة تدرك عمق العلاقات وأهميتها، بحيث يتم العمل على إصلاحها لا قطعها.

توتر العلاقات بين باريس والجزائر

منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون للحكم 2019، دخلت العلاقات مراحل متباينة، إثر تمسك الجزائر بعدد من الملفات المرتبطة بفترة الاستعمار.

ونفّذت فرنسا، (التي احتلت الجزائر في الفترة بين عامي 1830 و1962)، 17 تجربة نووية في الصحراء بين عامي 1960 و1966 في منطقتي “رقان” و”إن إيكر”، وهي ضمن أبرز الملفات الخلافية بين البلدين.

في 30 يوليو 2024، قررت الجزائر، سحب سفيرها من فرنسا وذلك على إثر اعتراف باريس بخصوص المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء.

وجاء في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية: “قررت الحكومة الجزائرية سحب سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري عقب إقدام الحكومة الفرنسية على الاعتراف بالمخطط المغربي للحكم الذاتي كأساس وحيد لحل نزاع الصحراء الغربية”.

توترات المغرب والجزائر

وأعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في سبتمبر الماضي، اتخاذ قرار عاجل، بشأن المغاربة الذين يدخلون إلى البلاد.

وقال إنه تم فرض الفيزا “تأشيرة دخول” على حامي الجواز المغربي، لأسباب أمنية وسياسية، وكذلك لـ”التعاون الأمني” بين المغرب وإسرائيل.

وأوضح خلال لقائه مع ممثلي الصحافة الوطنية في الجزائر : “لدينا شكوك بأن عملاء وجواسيس صهاينة، دخلوا الجزائر بجوازات سفر مغربية”، وفقا لصحيفة “النهار” الجزائرية.

ونفى تبون في الوقت ذاته، صحة تقارير تفيد بأن الجزائر تقوم بطرد المغاربة، مؤكدا: “طرد المغاربة كلام فارغ، ولن نطرد أي مغربي من الجزائر، شرط التزامه بالقانون.

وشدد على أن “الشعب المغربي شعب شقيق، ولا نكن له سوى المودة، ونتمنى له الخروج من المرحلة الحالية”، بحسب قوله.

جاءت الخطوة في ظل قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ومنع الجزائر الطائرات المتجهة للمغرب من التحليق عبر أجوائها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى