السيرة قبل الاخييرة للبيوت
خبرة مريم بالكتابة ذاتها مفاجئة، وسردها يتدفق بلا لجاجة، ولغتها سلسة تستند لقاموسها الخاص
أعبر عن افتتاني بقدرة الكاتبة، بالقوة التي تمتلكها والشجاعة في سردها المتدفق، والخبرة والمعرفة الحسية بالعالم الذي تكتبه
مقال الأديب الكبير أستاذ محمود الورداني في جريدة أخبار الأدب عن روايتي #السيرة_قبل_الأخيرة_للبيوت الصادرة عن دار المرايا للثقافة والفنون .
ممتلئة بفرح كبير جدا جدا لهذا النقد الذي اقترب من تشريحه وكاد أن يتطابق مع البناء السردي لمسودات الرواية . تلك شهادة تشعرني بفخر كبير يا أستاذ محمود .
أن تكتب لي ” كتّر خيرك على هذا الفيض ” فهنا لا يسعني إلا فرح قوى يقتحم كل الأوقات الصعبة مريم حسين
كتابة . سيرة البيوت والبشر أيضا ” الجزء الأول ” .
**** سيرة البيوت والبشر أيضا ( 1 – 2 ) ****
محمود الورداني
للوهلة الأولى تبدو رواية
“السيرة قبل الأخيرة للبيوت” الصادرة عن دار المرايا مزدحمة، وربما مفككة وفضفاضة. وبعد عدة صفحات يمكن للقارئ أن يكتشف العكس. سيكتشف أن طموح الكاتبة غير محدود وأن قدرتها على بناء عالم مترام يمتد على مدى 362 صفحة غير محدودة أيضا.
خبرة الكاتبة بالكتابة ذاتها مفاجئة، وسردها يتدفق بلا لجاجة، ولغتها سلسة تستند لقاموسها الخاص ولاتحفل بالجزالة بل تتجنبها، والأهم أنها تنتزع حريتها في الكتابة على هواها، وتبدأ من حيث تريد هي أن تبدأ ، وتنتقل عبر الزمان والمكان بكل يسر، وتكتشف ما اختارت أن تكتب عنه أثناء الكتابة ، وليس قبل الكتابة.
فصول الرواية الستة عشر لاتلتزم بما يمكن أن يجري في الزمن الروائي، وكل فصل يحتوي على لمحات ومشاهد موجودة في الفصول الأخرى يتم استعادتها أو استكمالها. لايحكم العمل هنا ما يسمى بتيار الوعي، فالكاتبة أكثر انسجاما وحتى التصاقا بالمادة التي اختارتها، لذلك فإن مايحكم العمل هو منطق التداعي، لكنه ليس تداعيا مجانيا ، بل له هو منطق في حد ذاته عرفت الكاتبة خباياه وكيف يتدفق في جداول صغيرة تشكل في النهاية نهرا تتجاور فيه البيوت والناس والزمن .
من جانب آخر يمكن للقارئ أن يتعرّف على أربعة بيوت تنقلَت بينها العائلة التي تحكي الراوية حكايتها بضمير المتكلم( وهو أصعب الضمائرلتناول هذا العالم المترامي، لكن الكاتبة نجتْ من حبائله، ومن بينها التورط والغنائية والمعاني المستهلكة مثل الشجن والنوستالجيا والبكاء على الأطلال). بيت بشتيل في امبابة استقرت فيه العائلة عشر سنوات، ومنه إلى بيت الشوربجي في بولاق الدكرور لخمسة عشر عاما، ثم بيت الهرم ومنه إلى بيت آخر في الهرم أيضا، بينما بيتا الأجداد في قريتين متجاورتين في ريف الفيوم، وهما حاضران في أغلب الفصول ويتم الإشارة لهما كثرا مما يشكّل سردية أخرى على هامش سردية البيوت، وتستغرق كل هذه السرديات من عمر العائلة قرابة ثلاثين عاما.
للرواية زمانها الخاص، فا لفصل الأول مثلا-” بيت الهرم” -عن بيت انتقلتْ إليه العائلة في نهاية الأمر وبعد موت الأب، والفصل الثاني” بيت الشوربجي” زمانه الواقعي بعد الانتقال فعلا من بيت الشوربجي، والثالث لايجري في أي من هذه البيوت، بل في المدرسة التي تعمل فيها الراوية مدرسة موسيقى.. وهكذا منطق الرواية يخص الرواية والتداعي محكوم من جانب الكاتبة، ويتم استكمال كل سردية من خلال فصول الرواية كلها تقريبا.. كل فصل يسهم في تقديم السرديات المختلفة.
أريد هنا أن أعبر عن افتتاني بقدرة الكاتبة، بالقوة التي تمتلكها والشجاعة في سردها المتدفق، والخبرة والمعرفة الحسية بالعالم الذي تكتبه، وحرصها على أن تحتفظ بمسافة كافية بينها وبين بيوتها وناسها( وهنا أسارع إلى فتح قوس للإشارة إلى فرادة بيوتها بناسها العشوائيين في مناطق عشوائية وهو عالم لم يقترب منه الكثيرون، لكن الكاتبة كانت من الجسارة بحيث اقتحمته بلا تردد وأبلت في التعبير عنه بلاءَ حسنا)
كل سردية من عشرات السرديات التي تضمها الرواية هي سردية بلا نهاية، ربما باستثناء سردية الأب، المحامي الذي نعرف من البداية أنه مات مريضا يغسل كليته عدة مرات في الأسبوع، ونتابع نحن القراء سرديته وهي تتشكل على مهل، ونحن نعرف مآله منذ البداية.
سأستكمل في الأسبوع القادم إذا امتد الأجل، وإن كان من الواجب أن أقول للأستاذة مريم حسين كتّر خيرك على كل هذا الفيض..