فضائل مصر وفضائل أهلها – بقلم : الداعية السيد فتحي عيسى
إنه لمن الصعب عليَ أن أكتب عن فضائل مصر وفضائل أهلها , حيث أن هذا الموضوع بحر خضم لا يُدرك قعره , لما لمصر وأهلها من مزايا لا تُحصى عددا , ولما لها من أثر عظيم في تاريخ الإسلام , منذ أن وطئتها أقدام الأنبياء المكرمين والمرسلين الطاهرين ..
– مصر في القرآن الكريم :
ذُكرت مصر في القرآن تصريحا خمس مرات ، وذلك تشريفاً وتكريماً لها ، فقال جَلَّ من قائل: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ} [يوسف: 21]. وقال سبحانه: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99]. وقال أصدق القائلين: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87]. وقال عز وجل قاصًّا قول فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51].
– وذُكرت تلميحاً حوالي ثلاثين ، وذلك نحو قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} [يوسف: 30] ، وقوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} [القصص: 15].
وكقوله تعالى قاصًّا قول آل فرعون: {وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127].
وكقوله تعالى قاصًّا قول ناصح موسى عليه الصلاة والسلام: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} [القصص: 20] إلى آخر تلك المواضع الكثيرة.
وقد وصف سبحانه وتعالى أرض مصر أحسن وصف، فقال جل من قائل: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِين} [الدخان: 25-28].
– وقد وُصفت مصر في القرآن بأنها خزائن الأرض، فقال سبحانه قاصًّا قولَ يوسف عليه الصلاة والسلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} [يوسف: 55]. وما ذلك إلا لكثرة خيراتها، وعظم غلاّتها، وجودة أرضها.
– ولم يذكر نهر من الأنهار في القرآن سوى النيل، وذلك في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص: 7]. والمفسرون على أن المقصود باليم هنا هو نيل مصر.
وقال الكندي: لا يُعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله تعالى عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم غير مصر.
– مصر في السُنة:
لقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر خيرًا، فقال: “إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحمًا”. والرحم لأنّ أم إسماعيل وهاجر من القبط. وفي لفظ: “فإن لهم ذمة وصهرًا”، والصهر لأنّ مارية أم إبراهيم -رضي الله عنه- منهم، والذمة: هي الحُرمة والأمان.
ولذلك قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قبط مصر أخوال قريش مرتين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة ورحمًا”.
– فضائل أرض مصر:
– حدود مصر من النوبة جنوبًا إلى رفح العريش، ومن (ليبيا) شرقًا إلى أيلة غربًا؛ أي إيلات.
ولأرض مصر فضائل كثيرة، فمنها أن فيها الوادي المقدس طوى، والجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام.
– وفيها الجبل الذي تجلى الله -تعالى- له فانهد وصار دكًّا.
– وفي أرضها يجري نهر النيل المبارك الذي ينبع أصله من الجنة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم “النيل والفرات من أنهار الجنة”.
– وفي مصر الربوة التي أوى إليها عيسى بن مريم وأمه على أحد أربعة أقوال للسلف في قوله تعالى: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] أنها في مصر.
– وهي المبوأ الصدق الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يونس: 93]. قال القرطبي هي مصر. وقال الضحاك: هي مصر والشام.
– وعلى أرضها ضرب موسى البحر بعصاه، فظهرت المعجزة العظيمة والحادثة الفريدة في تاريخ البشرية.
– – وقال تعالى قاصًّا كلام آل فرعون: {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء: 36] وهذا يدل على كثرة المدن في مصر آنذاك.
– وقال عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة”، فجعل كل بلاد الإسلام في كفة، ومصر في كفة أخرى.
– وقال الجاحظ: إن أهلها يستغنون عن كل بلد حتى لو ضُرب بينها وبين بلاد الدنيا سور، لغنيَ أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا.
– وفي مصر رباط الإسكندرية الذي لا يدري إلا الله تعالى كم سكنه ورابط فيه من العلماء والعباد والزهاد والأبطال والشجعان والأولياء والصالحين العاملين، وهذا الإمام الكبير أبو الزناد الأعرج عبد الرحمن بن هرمز القرشي صاحب أبي هريرة والملازم له، المتوفَّى سنة 117هـ يقول: “خير سواحلكم رباطًا الإسكندرية”.
– وفي مصر جامع عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول جامع بُني في قارة إفريقيا، وقد ضبط قبلته جماعة كثيرة من الصحابة -رضي الله عنهم- قُدروا بثمانين رجلاً.
– وفي مصر جامع الأزهر الذي له الفضل المشهور، ولشيوخه مواقف كثيرة جدًّا في نصرة الإسلام وأهله .
– وأما عجائب أرض مصر فكثيرة جدًّا فمنها الأهرام، ومنها صنم الأهرام وتسمِّيه العامة أبا الهول، وفيها عجائب الأقصر ومَنْف، وعين شمس، والنيل، والإسكندرية ومنارتها وعمودها، وفي كل ذلك تفصيل طويل، وقالٌ وقيل، وآثار مروية، وأخبار متناقلة، وأسرار غامضة، وبعض تلك العجائب باقٍ وأكثرها قد فني.
– ولقد مَن الله علي شعبنا المصري طيب الفطرة برجل منا مُحَنك علي دراية كاملة بسياسات العالم الداخلي والخارجي , والمتأمل في تصنيف موضوعات القرآن الكريم يجد فيها أكثر من (100) آية تتحدث عن المهنة والعمل منها : قوله تعالي ( قال اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظٌ عليمٌ) يوسف : 55 .
– وقوله عز وجل : ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) القصص : 26 .
– والاهتمام بأخلاق المهنة ينطلق من مفهوم قوله تعالي : ( ونزلنا عليك الكتب تبياناً لكل شئ وهدىً ورحمةً وبشري للمسلمين ) النحل :89 .