مقالات

اسئلة مشروعة حول المثقف المتناقض – كتبت – إسراء عبد التواب

اسراء عبد التواب

يشغلني منذ فترة كبيرة طرق النجاة من المثقف المتناقض، فالإبداع ليس دائما حاملا لحقيقة الشخص بقدر ما يكون احيانا مرآة عاكسة لكل ضد يقوله.
المثقف المتناقض هو آفه لا يمكن اقتلاع جذورها التي تبدو براقة من بعيد. نغرم ونعشق ونصدق إبداع المثقف المتناقض، ولانكتشف الخيبة إلا إذا اقتربنا منه أكثر من اللازم، وحين الإصطدام أتذكر حكمة إحدى صديقاتي: “ما تقربيش قوي من الناس اللي بتحبي تقريلهم، لأن القرب قوي نار هيفسد استمتاعك بيهم”.

ومع الزمن تأكدت مقولة صديقتي، صرت اضع دائما المسافات بيني وبين من أحب إبداعهم حتى لا تفسد ذائقتي في القراءة. وللأمانة فالتناقض لا يقتصر فقط على المثقف، لكنه صار ينهش كل روح حولنا، وأحيانا لا ننجو منه في بعض المواقف التي نعلنها في الخفاء، وتلك التي نفعل عكسها في العلن.
أتحسس عقلي كل يوم، لمحاولة تنظيفه بشكل مستمر من الوقوع في فخ التناقض، ولا أدعي أني استطعت الهروب منه في بعض الأحيان، ولكني واجهته والمواجهة تشبه المعركة الطاحنة في الرأس ليل نهار، فضميري لم يهدأ يوما حين وقعت في فخه يوما ما، سرعان ما أتمرد على ذاتي لمحاولة دفعه بعيدا.1254dcb3d5fb93a00d94910377555a7b5e8e5067
ولا أدعي تلك البطولة التي صارت المعركة الحقيقية للأجيال القادمة التي ستصدقنا، والتي ستصطدم أحيانا من مواقف المثقف المعلنة التي تبدو لهم براقة، ولكن حين يقتربون أكثر تفسد ذائقتهم بفعل التناقض.
تساؤلات عديدة تدور في الرأس حول هذه الآفه، التي صارت تنخر في العقل، والوجدان، فتشوهه من الداخل، وتجعلنا نحمل روحين في جسد واحد.
وقلقي لا يخص النخبة القليلة التي إندمجت مع التناقض وصارت جزءا لا يتجزأ من شخصيتها، تتنفس به وتكتب به وتشرع في منح كل التبريرات الممكنة لتزييف الحقائق.
لكن القلق يتعلق بوجدان الفئة التي مازالت تصارع النفس لرفض ما تبقى من ضمير لرفض تزييف حقيقة ما.
فهل ننجو يوما ونحن نبحث عن روحنا من بين هذا الكوم الكبير من القش الملئ بأتربة التناقض، أم تجرفنا ريح قوية لإجبارنا على الصمت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى