مقالات

كيف تعرف قتلة الأرواح؟  بقلم – إسراء عبد التواب 

 “لا أحد يخترق روحك إلا إذا قررت ذلك” حكمة يوجهها الصادقون نحونا لكننا نتجاهلها كثيرًا، ولا نعظم من أثرها داخل نفوسنا لمنع أرواحنا من التدمير، بفعل عشاق يمتلكون كل أدوات الهدم، وبعد أن نستيقظ من التجارب نتأكد ” أن لا أحد يستطيع تدميرك إلا إذا سمحت بذلك”.
أرواحنا تمتلك من القوة والصلابة التي تجعلها تقف في وجه كل من يحاول كسرها أو استنزافها بالاستغلال .
الشخص الذي يدمر روحك هو بالضرورة يمتلك روحًا مدمرة لا يملك من الشبع ولا الإتزان النفسي قدرًا كبيرًا لبناء أي شخصية إنسانية تمر في حياته.

إسراء عبد التواب
إسراء عبد التواب
اختراق الروح دائما يمر من تجاهل الأشخاص لوضع حدود آمنة يستطيع خلالها الإنسان أن يلتقط ذاته بسرعة فائقة إذا شعر بخطر اقتراب إنسان منه يصر على قتل ثقته بنفسه أو التشكيك في قدراته الإنسانية والإبداعية التي وهبها الله له دون تدخل منه.
في تلك اللحظات يدرك جيدا “قاتل الروح” لحظات الضعف التي يمر بها الإنسان نتيجة ظروف أسرية صعبة يمر بها أو تجربة عاطفية سيئة تركت روحه دون ترميم، أو ظروف نفسية تتعلق بأزمة ما.
تلك الملابسات السابقة تمهد الطريق لمرور قتلة الروح بسهولة، إذا لم يكن الشخص منتبها لترميم ذاته، قبل أن يسمح بدخول أحد لحياته في تلك الظروف التي يكون فيها ضعيفا للغاية وفي أمس الحاجة لعطف ما.
يعرف القاتل جيدا استغلال أوقات الأزمات للهيمنة على روح وقلب ضحيته الجديدة، يبدأ بعدها في خطوات ممنهجة لمحو الشخصية الحقيقية في ضحيته حتى يوجهها كيف يشاء.“الحب والخوف علي الشخصية وتحمل مسئوليتها ومصيرها الإنساني”.. مشاعر مزيفه تحمل كثيرا من الخداع النفسي والبصري لجعل الضحية في حالة إبهار مستمر، يغذي هذا الشعور رغبته في سجنك داخل دائرته دائما من أجل إحكام السيطرة على كل قراراتك. تشعر الضحية أن الابتعاد عنه وعن محيطه ما هو إلا بداية للاقتراب من الموت، وفي الحقيقة يكون المشهد عكس ذلك تماما.غياب المسافات الآمنة التي يضعها الإنسان لنفسه للحفاظ على ممتلكاته الخاصة يعجل بتحويله لصيد ثمين. ينتهز قاتل الروح تلك الثغرة التي تشبة ثغرة الباسفور للمرور إلى روحه والبدء التدريجي في الهيمنة عليها يوما بعد يوم.
يستمر الهدم طويلا.. يتحول الإنسان المستهدف من قبل القاتل إلى شخص يعيش دون روح يأكل دون أن يشعر بلذة الطعام، يتنفس هواء يخلو من الأكسجين. يتحول الكون حوله إلى بقعة غائمة تخلو من الألوان، ويمشي في الشوارع كجمل يغوص في الصحراء دون أن يشعر بالخفة يوما.
وهنا يتحول الصراع مع عالمه إلى صراع مع ذاته بدلا من تصالحه معه. يهيمن عليه شعور أكيد أن روحه تعرضت للسرقة الممنهجة علي يد قاتل الروح.
يمرر الآخير كل ما يريده علي الضحية ويبدأ في توجيهه كيف يشاء للاقتناع بأفكاره، إلى جانب التحكم في تغيير قناعاته وإبعاده عن محيطه الآمن من دائرة الأصدقاء أو الأهل أو أي محيط يدعمه نفسيا ويعلي من قدراته.
قاتل الروح لا يقبل بأقل من التدمير الكلي لأي محيط حول الضحية حتى يصبح مركز الكون والحاكم بأمره في كل تفاصيل حياته، وحين تكتمل تلك الصورة يصبح الإنسان الذي يقع فريسه لأمراضه هدفا سهلا للسهام النفسية المؤذية.
قاتل الروح هو بالفعل شخص مريض، لكنه لعب على احتياجات الأزمة، في وقت تجاهل الضحية احتياجات من حوله إليه.
تجاهل الآخير أنه يمثل لمن حوله بوصلة النجاة.
البداية بين قاتل الروح وضحيته تبدأ بسرقة بعض المسافات الصغيرة المتروكة من قبل الثاني، وشيئا فشيئا تتلاشى المسافات تدريجيا لصالح الأول، هنا يتوغل ويصول في روحه كيف يشاء.
يرقص قاتل الروح بعد إتمام عملية الهدم الكلي في بيئته الحاضنة للأمراض، ويجهل تماما أن لحظات التكسير الكلي لروح الضحية تجعله يموت موتا إكلينيكيا دون خلاص نهائي. يشعر قاتل الروح حينها بالنشوة الكبيرة في تحقيق رغبته المجنونة، وحين يستريح من القتل، تبدأ الروح الضعيفة في التحرك رويدا كما تتحرك النطفة داخل رحم الأم للبحث عن تفاصيل روحها المبعثرة.
يجهل القاتل أن الشيء الذي يزيد عن حده سرعان ما ينقلب لضده، يخدعه غروره ونرجسيته الكبيرة، ولا يعترف باستيقاظ الضحية لاستعادة روحه التي تبدأ إلا بعد إتمام عملية الهدم الكاملة.
ولأن جزءا صغيرا جدا من تلك الروح التي تم سرقتها تظل متمسكة بالبقاء في صدر الإنسان، فإنها تقوم بعملية معقدة سريعة تشبة خلية النحل للبحث عن تفاصيل الروح المبعثرة التي تكسرت على يد قاتل الروح، تنادي تلك النطفة الصغيرة على جميع أخواتها لتكوين فريق لطرد روح القاتل واستعادة الروح الحقيقية، وبمجرد أن يكتمل المشهد تعود إلى بيتها الآمن وهي مسلحة بالفهم والوعي لتصبح وحشا كبيرا في مواجهة القاتل، مسلحة بالثقة الشديدة في النفس ومطمئنة بالمسافات الكبيرة التي تضعها بينها وبين البشر، تصبح الروح العائدة قادرة على الفتك بأمثاله وهي تمتلك كل أدوات الإبداع للتعبير والتجاوز لحماية سلالة الأرواح البشرية من السرقة الممنهجة على يد سارقي الأرواح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى