مقالات

كابوس رجل الزهور ..بقلم – إسراء عبد التواب

أحب اقتناء الزهور ، تعاظم شغفه كلما ضم زهرة جديدة الي فازته الكريستال الشفافة ذات الزجاج البلوري، أو الي القصاري

إسراء عبد التواب
إسراء عبد التواب

أول وردة اقتناها كانت بلون الورد البمبي قطفها من حديقة اعجب بملمسها البكر الحنون، تساقطت قطرات الندي عليها فمنحها سحرا مغريا دفعه الشغف الي اقتنائها.

استقرت الوردة في حديقة مليئة بنباتات الزينة وأشجار الورود لكن غرامه بأشجار الورد البلدي فقط، جعله يعزف عن اقتناء الزهور من أشجار مختلفة، سحره الورد البلدي لأنه يماثل ذائقته الشعبية في النظر الي الحياة.

تحولت الورود الي اكتشافات ممتدة للشغف الذي لم ينته . رسمت بين يديه خرائط لمدن وذكريات وقصص ممتدة لتاريخ كل وردة يقتنيها.

في سفره الي مدينة ساحليه سحرته وردة بلدي بيضاء، لونها كان يشبه ملمس التماثيل الإغريقية القديمة. لم يقاوم سحر ملمسها بين يديه، قطفها وهو يمر صدفه من أمام محل زهور . نزعها من آمانها وقطفها لوضعها بين أخواتها في فازة الزهور التي استقرت في غرفته التي أقام فيها لبضع أيام ، أثناء حضوره احدي المؤتمرات التي شارك فيها كخبير في الآزهار في احتفالات عيد الربيع.

لم تكن الوردة ناضجة التفتح بعد، كانت أوراقها تجاهد للنمو، لكنه أقنع ذاته أن أوراقها ستزهر بمجرد أن يضع لها مكعبات السكر في جذورها، وسكب المياة حولها وحملها في سيارته الخاصة التي تنقل بها في أسفاره البعيدة لدراسة بيئة الزهور.

تنوعت البيئة التي حملت أشجار الورد البلدي، وهو ما إنعكس بدوره علي مذاق عطورها، ومنحها كثافة مميزة اختلفت طبقا لبيئاتها الحاضنة.

البيئة الصحراوية كانت هي الأكثر فخامة وتعتيقا لرائحة العطر البلدي عن كل البيئات.

لم ينس يوما وردته الحمراء التي نمت بين رمال الذهب في رحلته الطويلة التي استقر بها سنوات عديدة، وجدها في البراري البعيدة راسخة وهو يمر بين جبال الصحراء المسننة شاهقه العلو خلال رحلته المجنونه.

نمت الوردة الحمراء في بقعة غائمة بين رمال الصحراء، عكست الشمس علي ملمسها الأحمر القاني اغراءا أنثويا نادرا. التقط ورقه من بين أوراقها، ولامسها بلسانه، وأكلها في بطئ فشعر بطعم يشبه النبيذ الأحمر الذي اعتاد رشفه في جلسات الأنس مع أصدقائه.
تحير كثيرا من هذا المعجزة التي وجدها لشجرة تنبت في أوديه البراري البعيدة دون أن تروي بالمياة واعتبرها وردة من الجنة وسماها ” وردة الفردوس المفقود”

جمع كل تلك الورود في رحلته، لكن مع كل يوم سرعان ما تموت أوراق الورود وتتساقط، رغم أنها يهيئ لها مناخا للحياة، انتزع كل الورود المختلفة المميزة التي أحب أن تعيش طويلا في بيئاتها بعيدا عن الفازة ومكعبات السكر، راهن علي خبرته الواسعة في الإعتناء بالزهور، كونه يحمل دائما طينة من بيئتها وهو يتنقل بها حتي تستطيع العيش معه طويلا، لكن جميعها كان يتساقط بعد فترة وجيزة وتذبل الأوراق سريعا وتموت، لم يعترف بتلك الميتات المتكررة، وراهن في خبرته علي إحيائهن،

مع كل وردة تموت كان يتحول ليله الي كابوس ممتد، ومع تكرار التساقط تدافعت الكوابيس بشكل لا يتوقف. ودع النوم الطويل ومعه السلام الداخلي.
هاجمته الزهور وتحولن في معظم الكوابيس الي ورود سوداء تكبر جذورها في غرفته الخاصة بسرعة فائقة، وكلما حاول الهرب منها إلتفت حول رقبته لخنقه ليلا، تكرر الحلم في كل مرة تموت فيها وردة.

لون السواد كانت الصورة الثابتة بين كل الكوابيس لكن تكرارها كان يضيف لها مشاهد مرعبة.

في احدها كانت الورود لا تكتف بخنقه، ولكنها تحترق فجأة وهو مقيد في سريره، وسرعان ما يحترق معها سريعا حتى يتحول الي دخان لا تتطاير ذراته في السماء، بل يظل راسخا في ارضيه غرفته دون أن تطيره الرياح.

في أحد ليالي الأرق الطويلة استيقظ فزعا من كابوس كاد يخنقه، وجمع جميع الورود ورماها من شرفه بالكونته، لكنه ظل محتفظا بوردة صفراء نبتت في حديقة والدته، نام بهدوء تلك الليلة حاضنا إياها ومستأنسا بلذة التصاقه بها، في اليوم التالي تحولت أوراقها الي قطع من الفحم الصغيرة، ضربته في رأسه وكأنها طير أبابيل، تهاجمه وفي اقل من ثواني معدودة تفرغ جمجمته تماما من ملامحها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى