مقالات

تأثير الضربة الامريكية علي مستقبل الأسد – الدكتور عادل عامر

تعتبر هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها واشنطن بشكل مباشر حكومة الأسد منذ اندلاع
الحرب الأهلية من ست سنوات ودفعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الإعلان عن
أن واشنطن ما زالت تريد إبعاد الأسد عن السلطة.
لكن الهجوم بصواريخ توماهوك كان محدودا لدرجة أنه سيعزز وجهة نظر دمشق مع حلفائها
بأن الولايات المتحدة ليست أكثر حرصا الآن عن ذي قبل في الإقدام على إجراء قوي يتعين
اتخاذه لهزيمته.
ورغم الأضرار التي لحقت بها إلا أن قاعدة الشعيرات الجوية قرب حمص ما زالت تعمل جزئيا
وتقلع منها الطائرات. ورغم أن الهجوم أوضح أنه لا يمكن توقع ما قد يقوم به ترامب هل هذا
تغيير استراتيجي عند الأمريكي؟ هل يريدون أن يدخلوا بمشكلة كبيرة مع الروسي؟
في النهاية الروسي هو الذي يمسك الوضع في سوريا.. أنا لا أعتقد أن ذلك تغييرا
استراتيجيا.“ لان الضربة العسكرية الأمريكية لمطار الشعيرات بمحافظة حمص أثارت عدة
تساؤلات بشأن الأسباب التي أدت إلى تغيير موقف الرئيس الأمريكي من النظام السوري، وهل
كانت واشنطن في انتظار هذه الخطوة غير المحسوبة من جانب النظام السوري ليحدث هذا
التغير النوعي في موقفها تجاهه، أم أن هناك “أسبابًا كامنة” تقف وراء ذلك؟
وما هي الأهداف المنتظرة من تلك النقلة النوعية الأمريكية، وهل ستكون الضربة مقدمة
لغيرها من الضربات أم ستقف عند حد اعتبارها مجرد ضربة عقابية لا أكثر؟ في هذا السياق
يرى المحللون أن ثمة جملة من الدوافع والمنطلقات مثلت مدخلات مهمة للإدارة الأمريكية
أدت إلى حسم أمرها بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري
يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولًا، رغبة ترامب في توجيه رسائل لإيران التي اعتبرها الراعي الرئيسي للإرهاب في
المنطقة، ووضع ميليشياتها العاملة في سوريا على قدم المساواة مع تنظيمات المعارضة
السورية المسلحة المصنفة ضمن التنظيمات الإرهابية. هذا بخلاف عدم استساغته شخص يا،
ومجموعة مستشاريه السياسيين والعسكريين، للاتفاق النووي الإيراني باعتباره منح إيران
نفوذًا متنام يا في المنطقة على مدار العامين الماضيين. ومن ثم، فإن ضربة سريعة وخاطفة
ونوعية ضد حليفها نظام الأسد قد تمثل خطوة البداية في طريق الانخراط العسكري الأمريكي
الشامل في الأراضي السورية بما يعنيه ذلك من تقليص النفوذ الإيراني الذي تمدد بشراسة
داخل سوريا على مدى السنوات الماضية.
ثان يا، استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية يعني أن عملية التخلص من الترسانة الكيماوية
السورية قد شابها بعض الخروقات، وأنها لم تتم على الوجه الأكمل، أو أن النظام استطاع
الحصول عليها من حلفائه في المنطقة وتحديدًا إيران، وبالتالي تتزايد مخاوف الولايات
المتحدة من تهديدات محتملة لإسرائيل إذا ما حاول النظام استخدام السلاح الكيماوي ضدها،
أو أن تستخدمه المعارضة ذات الأيديولوجيات الدينية الراديكالية حال استيلائها عليه. وبناءً
عليه، فإن واشنطن أرادت توجيه رسالة للنظام السوري مؤداها أنها ستراقب تحركاته جيدًا
في هذا الشأن، وأنها لن تتوانى عن توجيه مزيد من الضربات العسكرية إذا ما أقدم على
خطوة مماثلة ضد المدنيين من شعبه أو ضد إسرائيل.
ثالثًا، رغبة ترامب في الظهور بمظهر الرئيس القوي الذي بإمكانه اتخاذ قرارات تليق بدولة
بحجم وثقل الولايات المتحدة لاسيما بعد الضغوط الإعلامية الدولية والأمريكية بشأن رد الفعل
المتوقع منه، خاصة بعد أن اعتبرت إدارته أن أولوياتها في سوريا لمحاربة الإرهاب وليس
لإزاحة نظام الأسد، الأمر الذي وضعها في موقف غاية في الصعوبة.
رابعًا، تأكيد الحضور الدولي للإدارة الأمريكية الجديدة في منطقة المشرق العربي بما يحقق
لها منافع استراتيجية على المدى المنظور، وذلك عبر موازنة الحضور العسكري الروسي
القوي في سوريا بحضور عسكري أمريكي نوعي ومؤثر، والتأكيد كذلك على عدم التبعية
لروسيا وتعاطياتها على ساحة الصراع السوري، وبالتالي نفي فكرة التواطؤ معها، وتسويق
فكرة القدرة على مواجهتها
وإمكانية الاصطدام معها أي إعادة تجديد الدور الأمريكي في المنطقة بما قد يعنيه ذلك من
إمكانية مواجهة المحور الروسي- الإيراني في سوريا مرة أخرى، وهو المحور الذي سيكون
مطالبًا بإعادة دراسة تعاطياته مع الملف السوري على ضوء المستجدات الأمريكية خلال
المرحلة القادمة، خاصة إذا ما أرادت واشنطن الدخول بثقل عسكري وسياسي على خط
الصراع السوري ما قد يضطر هذا المحور إلى الجنوح لخيار التفاوض الجاد.
خامسًا، الرغبة الأمريكية في توسيع التواجد في منطقة المشرق العربي، وذلك عبر ما يحققه
الانخراط العسكري الأمريكي من مكتسبات تتمثل في إقامة قواعد عسكرية في سوريا لاسيما
في المناطق التي سيتم تحريرها من داعش في الرقة، ناهيك عن تطوير القاعدة العسكرية
الموجودة في الحسكة )الجزيرة( شمال شرق سوريا. هذا بالإضافة إلى ضمان السيطرة على
عدة مطارات في مناطق تمركز حلفاء الولايات المتحدة من الأكراد في عين العرب )كوباني(
وفي القامشلي.
سادسًا، سعي ترامب إلى كشف مدى الضرر الذي لحق بمصالح الولايات المتحدة في الشرق
الأوسط خلال فترة ولاية الرئيس السابق نتيجة انسحابها من المنطقة لصالح روسيا وإيران.
ومن ثم، فإن رد الفعل السريع والحاسم بضربة عسكرية ضد نظام الأسد يعيد تسويق ترامب
داخل يا بعد الانتقادات التي واجهته فيما يتعلق بقرارات السياسة الداخلية، أي أن ترامب أراد
تعويض خسائره في تنفيذ سياساته الداخلية بعمل خارجي له بعده الإنساني والاستفادة من
ذلك داخل يا.
فإن الهدف الأول من هذه الضربة الفارغة، هو إعطاء مصداقية لسياسة ترامب في المنطقة،
بالأخص أن ترامب كان قد انتقد سياسة أوباما قبل أيام فقط، لعدم استخدامها القوة العسكرية
بعد استخدام بشار الأسد السلاح الكيماوي في أغسطس/آب 2013 بالغوطة الشرقية،
واستهزأ من الخطوط الحمراء التي وضعها أوباما، وإذا بالأسد يستخدم السلاح الكيماوي
بصورة مفاجئة وفاضحة في “خان شيخون” وقتله المئات من الرجال والنساء والأطفال،
وكأن الأسد يتحدى ترامب! فجرى تمرير هذه الضربة الصاروخية التي يمكن أن تدخل في
مضمار التدريبات العسكرية الأمريكية في المنطقة، ولكنها عديمة التأثير على قدرات الأسد
العسكرية؛
لأن أمريكا لم تتخذ قرار إسقاطه ولا إضعافه؛ بل عملت طوال سنوات الحرب على مده بالدعم
السياسي بحجة أنه دولة قانونية، وأمدته بالقوة العسكرية بواسطة إيران وحزب الله اللبناني
حتى فشلوا، فدعمته بروسيا، ولأن أمريكا ترفض انتصار الثورة السورية أيض اً. يمكن القول
إن الضربة العسكرية الأمريكية على مطار الشعيرات السوري بما حملت من دوافع ودلالات
تعتبر ضربة عقابية تأديبية أكثر من كونها بداية لانخراط عسكري أمريكي واسع النطاق في
سوريا على الأقل في المدى المنظور، وأنها لن تدفع النظام السوري إلى تغيير حساباته في
معادلة الصراع مع المعارضة طالما ظل الدعم الروسي للنظام قائمًا ومتجددًا، ولكنها في
الوقت نفسه ستمثل كابحًا له في سياق سياسات القتل الممنهجة باستخدام السلاح الكيماوي،
فتصاعد الحضور الأمريكي سياس يا وعسكر يا في الصراع السوري من شأنه فرض قيود على
سياسات النظام وحلفائه بما يقلص من نفوذ المحور الروسي- الإيراني- السوري
ويبعث برسالة مفادها أن الولايات المتحدة ممسكة ببعض الخيوط المهمة في ساحة الصراع
السوري التي بإمكانها تغيير قواعد الصراع ومسلماته التي سادت منذ التدخل الروسي
العسكري قبل عامين وهو ما تدركه موسكو جيدًا. ومن ثم، ممن المحتمل أن يتم ترجمة
الرسائل السياسية التي استهدفتها الولايات المتحدة من ضربتها العسكرية ضد النظام السوري
عبر تسريع الجهود الدولية لدفع مسار المفاوضات السياسية خلال المرحلة القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى