ثقافه وفنون

تعرف على “رفعت إسماعيل”.. أشهر بطل “ماورائيات” في العالم العربي

“الليالي المقمرة عالم ساحر هذا بالطبع إذا ما تغاضينا عن الأشياء المفزعة التي يراها واسعو الخيال و الليلة اكتمال القمر بدراً و (براكاسا) كانت هناك.. عندئذ عرف د. رفعت إسماعيل أنه إنسان واسع الخيال واسع الخيال إلى حدّ مخيف”.

كانت هذه الكلمات بعض مما اعتاد رفعت اسماعيل، بطل سلسلة ما وراء الطبيعة للكاتب الكبير د.أحمد خالد توفيق، الذي رحل أمس الإثنين، أن يدعو به خلف كل كتيب قراءه، نحو عالمه الخلاب الكابوسي المثير بالحكايات والأساطير والمغامرات في عوالم غرائبية مدهشة، فخرج من غُلة الخيال، إلى الواقع في ظاهرة فريدة من نوعها في الوطن العربي، بعد أن أغرم به ملايين الأطفال واليافعين والشباب، من جيل الثمانينات والتسعينات بالذات، ولحقهم الآخرون تباعاً، وتحول رفعت اسماعيل، الطبيب العجوز النحيل كقلم رصاص، كما يصف نفسه في السلسلة التي امتدت سنوات، إلى أشهر بطل “ماورائيات” في المنطقة، بلا منافس.

“الحنكليس” ببذلته الرمادية
إنه د.رفعت إسماعيل عبد الحفيظ، طبيب أمراض الدم الأعزب الملول في السبعينات من عمره، العنيد المتهكم والمغامر، المدخن الشره كـ”برلين حين دخلها الحلفاء”، والمتسلسل خفة كـ “الحنكليس”، ببذلته “الرمادية التي تجعله فاتناً”، كما يصف نفسهِ، بينما يدعونا لنلتف حوله ليلاً متدثرين بالقرب منه بينما يحتسي كوب الكاكاو ويحكي لنا ذكرياته في عالم من رعب ومعلومات وتاريخ وسحر وخيال، حيث سلسلة من الأحداث الخارقة للطبيعة، وتجارب أخرى عُرضت عليه بسبب الشهرة التي حققها في مجال الخوارق بعد نشر أخبار عن مغامراته في مجلات أمريكية، وحلوله ضيفاً دائماً على برنامج إذاعي مصري يحمل اسم بعد منتصف الليل.

الشخصية.. “ماغي” الحبيبة

وولد رفعت إسماعيل في قرية كفر بدر التابعة لمحافظة الشرقية عام 1924، وأمضى جزءاً من طفولته فيها قبل أن يُتوفى والده فيأخذه خاله ليعيش مع أسرته في المنصورة، وبعد وفاة أبيه تربى مع أبناء خاله الثلاثة التوأم عماد ومدحت وأختهما عبير، ومنذ طفولته اشتهر بالعصبية والعناد والنحول واعتلال الصحة، وهي العلامات التي ستحدد شخصيته المستقبلية.

درس رفعت إسماعيل الطب، وسافر في بعثة إلى إسكتلندا ليحصل على الدكتوراه من جامعة داندي تحت إشراف السير جيمس ماكيلوب، الذي يكن له تقديراً كبيراً، وأغرم بابنته “ماغي” التي أصبحت حبيبته الأزلية رغم عدم زواجهما، وظلا على لقاء ووفاق وعشق عذري متبادل، حتى آخر أيامه.

وبعد دراسته عاد رفعت إلى مصر بعد حصوله على درجة الدكتوراه ليعمل أستاذًا لأمراض الدم بإحدى الجامعات المصرية، وفيها أنشأ وحدة أمراض الدم التي لا تضم سواه.

إحياء المومياء
ووصف رفعت إسماعيل نفسه بأنه حالة فريدة من القبح والنحول واعتلال الصحة، يدخن بشراهة، ويستخدم دائمًا حبوب النيتروجلسرين بسبب حالة قلبه الواهنة، ويعاني من الربو وضيق الشرايين التاجية والقرحة، ويمتاز بأنه ملول وعصبي، وميال إلى انتقاد الآخرين وتصنيفهم برغم أنه يرفض أن ينتقده الآخرون أو يقوموا بتصنيفه، يميل إلى إصدار الأحكام القاطعة برغم أن أحكامه قد تصبح موضع تشكيك من قبله هو نفسه في مواقف عديدة، حيث يُفاجأ بظواهر خارقة لا يستطيع إيجاد تفسير مقنع لها غير اعتبارها خارقة، وفي المغامرات الأخيرة يبدو أكثر تسليمًا بوجود عالم ما وراء الطبيعة، وأكثر اقتناعًا بأن ما يحدث له، يحدث له وحده، يصفه مؤلفه أحمد خالد توفيق بأنه ثرثار لا يمل الكلام عن نفسه، ويصفه في موضع آخر على لسان بطل آخر من أبطاله بأنه شيخ هالك.

ويعتبر رفعت إسماعيل أن أولى خبراته مع عالم ما وراء الطبيعة كانت في عام 1959 حين شهد محاولة لإعادة إحياء مومياء الكونت دراكيولا بواسطة طبيب إنكليزي يُدعى ريتشارد كامنجر وطبيب يهودي يدعي لوفاريسكي، وانتهت التجربة بفرار رفعت من المكان بعد أحداث تحبس الأنفاس، ومغامرة أخرى في البرد وعوالم المذؤوبين في رومانيا، وجمعها معاً في أول كتيب له بعنوان “مصاص الدماء وأسطورة الرجل المذؤوب”.

لكنه يكشف فيما بعد عن خبرة مبكرة له بعالم ما وراء الطبيعة، حيث تعود “شيراز” صديقة الطفولة “الشبح” إلى الظهور، ويذكر كيف وقع رفقة أبناء خاله وصديقة طفولتهم إلهام في حالة استحواذ داخل بيت له قوى خارقة ويحيط به الغموض، فتجولوا ولعبوا مع “شيراز”، التي يبدو أن البيت شكلها لهم، وبعد ذلك بسنين طويلة، كان على رفعت وولدي خاله أن يقوموا بحرق البيت لمعاودته مطاردتهم.

“العساس” و”النداهة” وآخرون
ومنها إلى “أسطورة النداهة”، الشخصية الخيالية المرعبة في الموروث الشعبي المصري، التي تنادي الرجال فيسحرون ومن يتبع النداء لا يعود أبداً، وهناك في قرية “د.رفعت”، “كفر بدر”، يواجه النداهة، والتي اكتشف في النهاية أنها خدعة وتحولت الأحداث بسرعة لرعب الجريمة، ومنها قرر أنه لابد من تفسير علمي صارم لكل الخوارق، إلا أنه يعود ويختل منطقه هذا بسرع بعد مواجهته وحش “لوخ نيس” ويراه حقيقة، وتزداد الإثارة في واحدة من أجمل إبداعات السلسة الشهيرة، في قصة “أسطورة العساس”، بينما يأخذنا رفعة لمغامرة تخطف الأنفاس في الصحراء الليبية، مع كيان من عوالم وأزمة غامضة، وهو “العساس”، أي الحارس بالدارجة الجزائرية والليبية والمغربية.

ويجدر الإشارة إلى مغامرات أخرى مثيرة بدورها مثل “آكل لحوم البشر” و “الموتى الأحياء”، و”نادي الغيلان”، و”الدمية”، و”صندوق باندورا”، و”الجاثوم”، و”حامل الضياء” و “الجنرال العائد”، و”الكلمات السبع”، و”أغنية الموت”، و”الفتاة الزرقاء”، و”رونيل السوداء”، و”حسناء المقبرة”، و”الرجال الذين لم يعودوا كذلك”، وغيرها الكثير من القصص المثيرة في سلسة كتيبات تجاوزت الـ 80، وزادت في إنتاج موازي في قصص نشرت فيما بعد.

وبالعودة لعوالم د.رفعت، وبسبب التغطية الصحفية لمغامرته مع الموتى الأحياء في جمايكا، حصل هذا على نوع من الشهرة كهاوٍ لعالم ما وراء الطبيعة، الأمر الذي ورطه في محاولة إحياء أسطورة رأس ميدوسا، وجعل مسؤولي هيئة الآثار المصرية يستعينون به في مواجهتهم مع لعنة غامضة تتعلق بفرعون أسموه أخيروم.

حلقات الرعب

وفي كل عشرة كتب من السلسلة تصدر حلقة رعب، حيث تظهر مجموعة قصصية يحكيها رفعت أو من يشاركه الأحداث، فمثلاً شارك رفعت إسماعيل في سبع حلقات رعب، كانت الأولى في فيلا “د. سامي فهيم” المحلل النفسي، وفيها حكى قصة صديقه يوسف مع حشرة مطورة جينياً تُسمى “إنثروفاجا”، وشارك المجموعة في حلقة الرعب الأولى شبح فتى من الأعيان يُدعى شاكر بك، متقمصاً شكل رفيقهم شكري الذي لم يتمكن من الحضور، ولم يفطن رفعت ورفاقه إلى هذه الحقيقة إلا في النهاية المرعبة بدورها، عندما اتصل بهم شكري ليعتذر عن تغيبه، وعرض عليهم سامي فيما بعد صورة للحضور خلت من شكري الذي كان يجلس في مركز الصورة.

“أوراق التاروت”
وعقدت حلقة الرعب الثانية التي شارك فيها رفعت إسماعيل في نيويورك، وكان بطل الحلقة شخصية غامضة لخبير مجري مفترض في قراءة “أوراق التاروت” يُسمى د. فرانتز لوسيفر.

وفيها تنبأ لوسيفر لكل الحضور بنهايات مرعبة ما عدا واحد، ليتضح فيما بعد أنه غرس في أذهان الحضور إيحاءات مريعة جعلت أماً تقتل ابنتها بدعوى أنها مصاصة دماء، وفتاة تحاول حرق صديقتها لاعتقادها أنها ساحرة، كما حرض مدير شركة على الانتحار، وتسبب في إدخال سام كولبي الذي كان من معارف رفعت إلى مصح نفسي بعد أن حاول مهاجمة أفراد عائلة أقنعه لوسيفر أنهم جميعاً مستذءبون، و كان لحلقة الرعب الثانية امتدادات، فقد حاول رفعت التأكد من صحة نبوءة لوسيفر بشأن موته على يد مخلوقين غير أرضيين، فاكتشف وجود شعب الأطياف، وقابل منه طيفين أخبراه بأنهم يعرفون لوسيفر وأنه يتصل بهم وكذلك حاول هاري شيلدون صديق رفعت استعادة الدمية التي تمثل زوجته من الساحرة التي استولت عليها، وكان لتنبؤات لوسيفر قدر كبير من الصحة في هذه القضية، دون أن يشار إلى ذلك، وعلى مدى السنوات الطويلة رفقة سلسلة “ما وراء الطبيعة” برز “لوسيفر” كعدو عتيد مميز وشكل مع د.رفعت، علاقة فريدة وحكاية لها الكثير من الإسقاطات.

بعد منتصف الليل
وفي العامين 1969 و1970 حل رفعت إسماعيل ضيفاً دائماً على برنامج بعد منتصف الليل الذي منعته الرقابة فيما بعد بسبب آثاره السلبية على نفسية الأطفال، وعرض رفعت بعض حلقات البرنامج في حلقة الرعب الثالثة، وفيها اتصل به شخص عرف نفسه باعتباره د. رفعت إسماعيل، وكشف معلومات خاصة عنه، ثم التقاه رفعت فيما بعد ليكتشف أنه هو نفسه من عالم موازٍ، وجاء ليتبادل الأمكنة معه، لكنه تمكن من إرساله إلى عالمه بالحيلة.

وتعرض رفعت للاحتجاز مع ستة أشخاص آخرين في فيلا طبيب محتضر هددهم بوجود خطر داهم عليهم وراء الأبواب المغلقة، فطلب رفعت من الحضور رواية حكايات تتعلق بالمجهول الذي يكمن وراء الباب المغلق، وهكذا نشأت حلقة الرعب الرابعة التي بدأ رفعت فيها رواية حكاية باب “خريولسن” ولم يكملها.

“في جانب النجوم”
وفي حلقة الرعب الخامسة، خُدع رفعت لينتقل إلى جانب النجوم، وهناك تعرض إلى محاكمة من قبل المسوخ التي تحكم جانب النجوم، حيث قرر سادة النجوم أن يقتلوا جميع الحضور، عدا الذي يثبت أنه أكثر البشر شراً، فتنافس الحاضرون على رواية آثامهم، عدا رفعت الذي تحدث عن جرائمه عندما كان طفلاً يسرق المربى ويكذب بشأن الاستحمام، لأسباب غامضة أطلق د. لوسيفر الذي ظهر في جانب النجوم سراح رفعت إسماعيل باعتباره أكثر الحاضرين إثماً.

في حلقة الرعب السادسة، لم يكن هناك أي حضور باستثناء رفعت وشبح يتخذ لنفسه اسم مازن أبو سيف أخذ يحكي لرفعت حكايات متنوعة عن مقتنيات متحفه الأسود المتعلق بالخوارق، وفي هذه الحلقة أيضاً بدأ رفعت رواية حكايته عن باب خريولسن لكنه قوطع بحلول النهار، وعودة أصحاب البيت الأصليين.

وفي حلقة الرعب السابعة والأخيرة، يعود رفعت لأجواء برنامج بعد منتصف الليل من جديد بعد اكتشافه عدد آخر من الحلقات المنسية المسجلة للبرنامج عنده.

القصة الأخيرة

وفي ختام السلسة، جاء على الغلاف الأخيرة كالعادة، اقتباس من الحكاية للتشويق، قائلاً: “هناك حيث يقف بالضبط بين عالمين في الموضع الذي وقف فيه ملايين البشر منذ الخليقة وسيقفون حتى يوم الدين، يوشك على مغادرة العالم الأول واللحاق بالثاني يحاول الطبيب الشيخ “رفعت إسماعيل” أن يميط اللثام عن لغز جديد ليس هذا من أجل الحقيقة ذاتها .. بل من أجل أن يحكي لكم قصة مسلية أخرى. قد تحب هذه القصة وقد لا تحبها ، لكن تذكر أنها تستحق أن تُقرأ بعناية.. لأنها القصة الأخيرة”.

وأثارت هذه القصة في عام 2014 حزناً كبيراً بين القراء، وأخذ بعضهم يقيم الذكرى السنوية لوفاته، ليعتبر الشخصية الخيالية الوحيدة في المنطقة التي أقام لها محبيها جنازات خاصة، بل إن البعض منهم هاجم الكاتب بشدة، إلا أنهم ما لبثوا وعادوا لقراءة أعماله الأخرى التي طبعتها نكهة عوالم “رفعت اسماعيل”.

24 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى