مقالات

صراع البحار بقلم- أحمد سلهوب

في وقتنا الراهن يتنامى نفوذ السيطرة على أعالي البحار حتى لو كانت الدول المتصارعة لا تطل على منافذ بحرية استراتيجية تمكنها من الهيمنة وفرض سياستها.

وتكمن أهمية البحار لكونها ممرات مائية مهمة بين القارات والدول، أو لاعتبارها مجالا لطرق تجارية ومسارات اقتصادية، أو لأن ما في أعماقها بات يشكل ممراتٍ لأنابيب نفط وغاز أو لكابلات الاتصالات السلكية، تقدّر بنحو 14 ألف كيلومتر، وتبرز الأهمية القصوى في أزمنة الحروب والتاريخ حافل بأحداث كثيرة.

احمد سلهوب
احمد سلهوب

وتتخذ الأنظمة المتنافسة مسالك عسكرية واقتصادية لتحقيق غايتها ووضع موطئ قدم لها في المياه الدافئة، فمثلاً نجد روسيا اصطفت بجانب بشار الأسد فاقد الشرعية وفق أكثرية الشعب السوري لاستدامة وجودها بقاعدة طرطوس البحرية على سواحل سورية الذي يعود تاريخها لعام 1971 في حقبة الحرب الباردة، ولإضفاء نوع من الشرعية على وجودها الدائم، قالت موسكو إن تلك الخطوة جاءت وفقا لتفاهمات مع النظام السوري أبرمت مؤخراً.

وعلى خطى روسيا تسعى إيران بكامل قوتها لتعزيز وجودها على شواطئ المتوسط عبر إنشاء ممر يبدأ من معبر ربيعة الحدودي بين العراق وسوريا، وتتخذ من المليشيات التي تدعمها بالمال والسلاح في بغداد ودمشق وسيلة لتحقيق طموحها البحري، فحلم مياه المتوسط يراود أصحاب آيات إيران، فالنزعة الفارسية لم تمت بل أوقدوها في نفوس مناصريهم من الشعوب والطوائف التي تنطلي عليهم العبارات الوطنية والشعارات الدينية.

وهناك وسيلة أخرى يحاول نظام الملالي بإيران تثبيتها في اليمن، فالحوثيون الذين خلعوا عباءة العروبة وارتدوا ثوب الطائفية وارتموا في أحضان ولاية الفقيه يتلقون دعما لوجستيا من  طهران للسيطرة على ربوع اليمن والسماح لوريثة الامبراطورية الفارسية بالتواجد في جنوب البحر الأحمر عبر ميناء الحديدة، إذا فلو تحقق ذلك تكون إيران البعيد بسواحلها عن مياه البحرين الأحمر والأبيض صاحبة نفوذ بواسطة عملائها.download

وعلى مسافة جغرافية ليست ببعيدة عن مناطق النفوذ، توجت تركيا طموحها للتواجد في مياه البحر الأحمر عبر اتفاقية  اقتصادية مع السودان تكون مدخلا لقوات تركية على جزيرة سواكن في وقت لاحق، فتركيا ليست بالجار الهادئ، فدبلوماسيتها واستراتيجيتها خشنة، وسبقت أنقرة تلك الخطوة بإقامة أكبر قاعدة عسكرية لها في الصومال على مقربة من مضيق باب المندب المنفذ البحري الدولي، فضلا عن تدريبها قوات صومالية وتقديم منح دراسية وإحياء مناسبات ثقافية إذا فالقوة الناعمة حاضرة أيضا  للوقوف على شواطئ البحار.

وفي نفس دائرة الصراع نجد الطرف الصيني حاضرا بقوته الاقتصادية من بوابة الاستثمار تحديدا وكانت وجهتهم دولة جيبوتي القابعة في منطقة القرن الإفريقي وتلك المنطقة هي امتداد لصراع المنافذ البحرية، حيث أنشأت قاعدة عسكرية على أبواب البحر الأحمر وللتوسع في القارة الإفريقية، ولتقول لواشنطن لدينا طموحاتنا التوسعية.

التنافس يصل لبناء جزر صناعية في البحار كجزر الكونيل في بحر الصين الجنوبي، وتتنازع الصين واليابان السيادة  هناك، في حين تتنازل  دولا فقيرة في قراءة مستجدات حولها عن جزر محورية ولها أهمية عسكرية لصالح دولة أخرى بحجة أحقيتها التاريخية فيها.

 وأيضا نجد  جزر الفوكلاند الأرجنتينية خاضعة  حتى  الوقت المعاصر لإنجلترا رغم مطالبة بيونس أيرس بحقها ودارات حرب حقيقة بين البلدين عام 1982، وكذلك الحال مع جبل طارق فالنزاع متواصل ما بين اسبانيا وبريطانيا.

ونقول ان الدول التي تطل على منافذ بحرية استراتيجية تكون طويلة الأذرع لضمان أمنها، ولا تعمل على تصدير الوهم حول كثير من القضايا المصيرية، هناك دول تتحدث وتفعل لما تمتلكه من إرادة حقيقة في تحقيق أهدافها وليس اختلاق خلافات وهمية لتكون بمعزل في قضايا حساسة وتلوم نفسها في وقت لا ينفع فيه الندم.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى