مقالات

اللجان والمنظمات الإقليمية والدولية للمتاحف بين الآليات ومنهجية التفعيل بقلم : د. / أيمن وزيري

اللجان والمنظمات الإقليمية والدولية للمتاحف بين الآليات ومنهجية التفعيل

بقلم : د. / أيمن وزيري

أستاذ الآثار ونائب رئيس إتحاد الأثريين المصريين

المتاحف تُعَّد إحدى المؤسسات سريعة النمو على مستوى العالم ، ونظراً لمدى أهمية المتاحف والعمل المتحفي فقد تم في عام 1932م إعداد ونشر كتيب ونشرات دورية للجمعية الأمريكية للمتاحف (American Association of Museums) تقضي بأنه يجب إنشاء متحف جديد كل أسبوعين فى الولايات المتحدة. وقد أقر المؤتمر السنوى للجمعية فى نفس العام 1932م .

أيضاً أنه ينبغي أن يتم إنشاء متحف جديد كل أسبوع فى كل من الولايات المتحدة وكندا، حتى وصل عدد المتاحف فى عام 1970م فى البلدين إلى حوالى خمسة آلاف متحف. وفى العالم كله يصل عدد المتاحف إلى خمسة عشر ألف متحفاً، وذلك طبقاً لبيانات الدليل الدولى للمتاحف، فالمتاحف تبدو كغيرها من المؤسسات التي تتأثر بالظروف السياسية، فأثناء الحرب العالمية الثانية لم يزد عددها، ووصل بعد الحرب إلى حوالى 22000 متحفاً.  ولا يُعرف أسباب انتشار المتاحف ونموها على مستوى العالم، مما أدى إلى ضرورة وجود منظمات دولية ومحلية ترعى المتاحف وتحافظ عليها من جانبين وهما:

1- المجال النظري الذى يقدم مطبوعات تخدم العلم والعلماء.

2- المجال التطبيقي المسئول عن تطوير وتنمية العمل المتحفي.

وتُعتبر هذه المنظمات هى حلقة الوصل بين علم المتاحف من جانب وبين المتاحف كمؤسسات مهنية من جانب آخر. ومن أشهر المنظمات المعنية بأمر المتاحف: اليونسكو(UNESCO) : وقد وقعت 37 دولة (عام 1945م) على الميثاق التأسيسى لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وصدَّقت عليها 20 دولة عام 1946م، وهى الدول المؤسسة الأولى للمنظمة. ثم يأتي دور المجلس الدولى للمتاحف (أيكوم) (ICOM)  : وقد أُنشئ المجلس الدولى للمتاحف (ICOM) عام 1946م، باقتراح مقدم من السيد “شانسى. ج. هاملن” (Chancey J. Hamlen)، رئيس الجمعية الأمريكية للمتاحف (American Association of Museums)، مطالباً فى اقتراحه بإنشاء منظمة متخصصة تهتم بتقديم المشورة للمتاحف العامة والمتخصصة على مستوى العالم. وأيضاً تنمية وإحياء المتاحف وتطوير رسالتها الثقافية. ويتكون المجلس الدولى للمتاحف من مجموعة لجان منبثقة عنه مثل اللجان القومية ، ويتكون “الأيكوم”(ICOM)  من تسعين لجنة قومية. وتقوم هذه اللجان بدور حلقة الوصل بين “الأيكوم” وبين الأعضاء، وتنشأ هذه اللجان القومية فى الدول الأعضاء بالأمم المتحدةوكان قوامها “ستة عشر لجنة قومية فى آسيا” ، ” واحد وعشرون لجنة قومية فى أفريقيا” ، ” لجنتان قوميتان فى أمريكا الشمالية ” ، ” ثمانية عشر لجنة قومية فى أمريكا الجنوبية، وجزر الكاريبي ” ، ” ثلاث وثلاثين لجنة قومية فى أوروبا” .

ثم يأتي دور المنظمات الإقليمية(Regional Organizations)  وهي تتبع المجلس الدولى للمتاحف  (ICOM)وقوامها ثلاث منظمات إقليمية مُتمثلة في “منظمة آسيا والباسفيك”،  منظمة أمريكا اللاتينية وجرز الكاريبي “، “منظمة إفريقيا. منظمة أوروبا “، “المنظمة العربية للمتاحف”، منظمة أمريكا الشمالية ” . أما عن المنظمة العربية للمتاحف فقد انبثقت عن المجلس الدولى للمتاحف، والذى  يضم 140 دولة، وشأنه فى ذلك شأن “اليونسكو”، ويحمل اسم “الأيكوم”، وتضم المنظمة 15 دولة عربية، ويكون مقرها حيثما يكون مقر رئيسها .

هذا بالإضافة إلى اللجان الدولية (International Committees) التي تنبثق عن المجلس الدولى للمتاحف (ICOM)، وهم حوالى خمسة وعشرين لجنة دولية طبقاً لأنواع المتاحف وطبقاً لتصنيفات وظائفها.

وتهدف هذه اللجان الدولية إلى دعم المعلومات المتخصصة فى المتاحف على المستوى الدولى، ووضع المعايير المتخصصة للمتاحف ومجموعاتها ، وإصدار قواعد العمل المتحفى، والتوصيات الخاصة بشأن المتاحف، وتوضيح العلاقات التى تربط مشروعات “الأيكوم” بعضها ببعض. ومن أمثلة هذه اللجان الدولية تأتي اللجنة الدولية للتوثيق: (ICD) وتهدف هذه اللجنة، وتُركز اهتمامها، على توثيق مجموعات المتاحف، من القطع الأثرية والفنية، وذلك عن طريق التعاون بين المتاحف فى تسجيل المقتنيات الأثرية. بالإضافة إلى اللجنة الدولية للمتاحف والمستفيدين (العملاء): (ICMCC) ، وقد أُسست هذه اللجنة من لجان “الأيكوم” للمتخصصين والدارسين فى قطاع المتاحف. فهى ترحب بمن يقدم خبرته البحثية فى المشاريع المتعلقة بالعرض، والصيانة، والتخزين، واستخدام التكنولوجيا الحديثة فى المتاحف، وتقدم اللجنة معلوماتها من خلال لجنة فرعية تتخصص فى تقديم النشرات، والأبحاث، والمشاريع واللقاءات، والمؤتمرات السنوية.

فضلاً عن اللجنة الدولية للمتاحف والمجموعات الأثرية  والتاريخية: (ICMCAHG)، وهي تهتم بالقائمين على حفظ الآثار والمنقبين عنها من جهة، وعن التاريخ من جهة أخرى. وتهدف اللجنة إلى دراسة تاريخ وبيئة المجتمعات المختلفة، وتوثيق العلاقات بين الآثار وبعضها، ثم وضعها فى منهج حيوى ، وتحقيق نظم المتاحف، وما تعكسه مقتنياتها من تاريخ وحضارة الأسلاف، كما تعمل على إحياء ذكراهم وتراثهم الفكرى والحضارى. وينبثق عن هذه اللجنة ست من اللجان الفرعية لتحقيق وتأكيد الأهداف المرجوة.

ثم يأتي دور المجلس الدولى للآثار والمواقع (إيكوموس) (ICOMS):، والذي تأسس في عام 1965م فى مدينة “وارسو” فى بولندا، وذلك بعد مرور سنة من مباحثات “العقد الدولى لصيانة وإصلاح الآثار والمواقع الأثرية”: (ICCRMS) .

ويعتبر “الإيكوموس” مؤسسة غير حكومية لا تهدف إلى  الربح، بل تعمل على تدعيم وتطبيق مناهج العلوم والتقنية الحديثة لصيانة التراث والحفاظ عليه، سواء أكان آثاراً، أم مواقع أثرية. ومن خلال كل هذا الزخم من اللجان والمنظمات إلا أنه يتضح أن التعاون بين الدول العربية وبعضها البعض ليس كافياً، كما أن التعاون بينها وبين المنظمات الدولية يبدو ضعيفاً للغاية حتى أن مصر كادت تفقد مقعدها فى المجلس الدولى للمتاحف فسارعت بتشكيل لجان لتثبيت الوجود العربى.  كما إنه للأسف يتضح أن معظم الدول العربية تفضل الاستعانة بخبراء أجانب فى العمل المتحفى، مما يعد إهداراً للموارد -المحدودة أصلاً- من جهة، وعائقاً أمام تنفيذ استراتيجية المنظمة من حهةٍ أخرى ؛ فلابد من أن تتاح الفرصة للخبراء العرب، فهم الأقدر على حماية تراثنا.

وعلينا أن نثق فى أنفسنا كعرب في هذا المجال.  كما يتضح أن من أهم أسباب تدهور العمل المتحفي في الوطن العربي كافه والذي يواجه أزمات حقيقية حيث تكبله الحساسيات والأيديولوجيات، وتضعه الدعاوى القطرية الضيقة فى مأزق علمى خطير، ويعيش حالة من العشوائية والفوضى وإهدار الموارد شأن واقعنا الثقافى عموماً ، وللأسف أيضاً فلا يوجد أى تنسيق عربى فى المؤتمرات أو الندوات، ولا توجد مرجعيات عربية موضوعية تحكم النشر العلمى الأثرى.

وللخروج من تلك الحالة يجب أولاً أن ننحى جانباً أية حساسيات سياسية أو فكرية، إلى جانب تنحية كل ما من شأنه أن يؤثر على موضوعية العمل الأثرى. ويأتى بعد ذلك وضع استراتيجية عربية للتنسيق بين الجهود وعدم تكرارها، وإصدار مجلات أثرية قادرة على التواصل والتفاعل على مستوى الوطن العربي فضلاً عن  بذل الجهود لتقديم حضارتنا بشكل يليق بها وبتاريخها دولياً ، وذلك بالإضافة إلى منح الفرصة الكاملة -كلما كان ذلك ممكناً- للكوادر الشابة عن طريق البعثات والمحاضرات، وتحميلهم مسئولية التواصل مع الآخرين وخاصة فى القطاعات الأكثر ندرة مثل أولئك الذين يجيدون اللغات الصينية أو الهولندية أو السويدية، أو اليابانية أو الكورية ، بحيث تتاح لهم الفرصة لإلقاء بعض المحاضرات أو البرامج وسط أبناء ومثقفى هذه البلاد وبلغاتها مع التأكيد على توسيع دائرة الحوار الحضارى مع الآخر.

فلا يكفي مثلاً أن نقدم لهم حضارات سوريا والعراق والجزيرة العربية ومصر والمغرب العربى من منظور تاريخي، أو بناء على تقسيمات سياسية أو حتى جغرافية، لكن يجب أن يكون الحوار بناء على خلفية ثقافية أولاً، وإنسانية

ثانياً؛ لأن السياسة والاقتصاد والتجارة كلها علاقات تسبب الفوارق والصراعات بين الشعوب؛ والثقافة وحدها هى التى تقرب أواصر عُرى الثقافات ، والحضارة العربية فى عصور مجدها أنبتت منهج الحوار الحضاري وقدمت كل الاحترام للحضارات الأخرى، واتصلت بدول الجوار، وتعاملت معها بتحضر سواء فى السلم أو الحرب.  فقد كان العرب -فى الماضى- أعظم بنّائى الحضارة الإنسانية على الإطلاق ، كما كانوا قديماً طرفاً مهماً وفعَّالاً وفاعلاً بين أصحاب الحضارات  المجاورة، مثل إيران واليونان والهند وإيطاليا؛ وهم الآن قادرون أيضاً على تبنى نفس التوجهات في عصرنا الحديث فهل من مجيب؟؟؟ .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى